ستة أيام وتحل علينا الذكرى الثالثة للخامس والعشرين من يناير، وتأتى هذه الذكرى وسط حالة من الانقسام الشديد حول طبيعة ما جرى فى ذلك اليوم، توصيف ما حدث بدقة وما ترتب عليه. هناك تيار يرى أن «٢٥ يناير» كانت الثورة الحقيقية على نظام مستبد ونخبة فاسدة، وأن ذلك اليوم هو الذى يستحق وصف الثورة، ثورة المصريين، ويتنوع هذا التيار ما بين فريق يرى أن «٢٥ يناير» هى الثورة وما جرى فى «٣٠ يونيو» كان انقلابا عسكريا، أو انقلابا على الثورة، وهناك داخل هذا الفريق من يعتبر «٣٠ يونيو» ٢٠١٣ هى عودة إلى النظام القديم، عودة إلى نظام مبارك. وهناك تيار آخر يرى أن «٢٥ يناير» هى الثورة الحقيقية وأن ما جرى بعد ذلك كان موجة ثورية صححت الخلل الذى وقع بعد الثورة عندما تواطأت قيادة المجلس العسكرى السابق مع الجماعة لتمكينها من السيطرة على السلطة.
فى المقابل يرى تيار آخر أن «٣٠ يونيو» هى ثورة الشعب المصرى الحقيقية، وتتباين نظرته إلى الخامس والعشرين من يناير، فهناك فريق يرى «٢٥ يناير» مؤامرة من قِبل الجماعة وتنظيمها الدولى، بالاتفاق مع تركيا والإدراة الأمريكية من أجل إسقاط النظام القائم، تمهيدًا لإسقاط الدولة المصرية وتفتيتها ضمن الرؤية الأمريكية للشرق الأوسط «الجديد» وأن ما جرى كان مؤامرة مكتملة الأركان، وبالتالى فإن «٣٠ يونيو» هى ثورة الشعب المصرى الحقيقية لاسترداد البلد والقضاء على مؤامرة التفتيت والتقسيم.
وداخل هذا التيار هناك فريق يرى أن ما جرى فى الخامس والعشرين من يناير كان احتجاجا شعبيا حقيقيا طلبًا للعيش، والحرية، والكرامة والعدالة الاجتماعية، تحول بفعل تبلد النظام وشيخوخته إلى ثورة شعبية حقيقية، لكن أحداث الثورة كانت متخمة بالمؤامرات الداخلية والخارجية على النحو الذى أدى فى المحصلة النهائية إلى سرقة هذه الثورة من قبل تنظيم دولى كان فى طريقه إلى تدمير مؤسسات الدولة والقضاء على هوية مصر الوطنية، لذلك جاءت ثورة الثلاثين من يونيو، وهى ثورة شعبية حقيقية تفوق من حيث العدد والزخم «٢٥ يناير» بكثير، لكن دون أن يصل أنصار هذا الفريق إلى وصف ما جرى فى «٢٥ يناير» على أنه مؤامرة. إذن التشدد واضح فى قطاعات لدى الطرفين، الأول يرى «٣٠ يونيو» انقلابا عسكريا، مؤامرة من رجال مبارك للعودة مجددًا إلى السلطة، وأنصار الفريق الآخر يرون «٢٥ يناير» مؤامرة على مصر واختطافًا للدولة المصرية من قِبل التنظيم الدولى للجماعة، ومن ثم فإن «٣٠ يونيو» هى حرب استرداد الدولة واستعادة مصر من الاختطاف الذى تم فى الخامس والعشرين من يناير.
الأمر المؤكد أن غالبية الوجوه التى تصدرت مشاهد الخامس والعشرين من يناير غابت عن الساحة اليوم، ما بين خلف قضبان السجون باتهامات مختلفة، ومجموعة احتجبت عن المشهد بعد تشوه صورتها بالكامل وبطرق مختلفة، وبسبب اتخاذها مواقف غير موضوعية لما جرى فى الثلاثين من يونيو وما ترتب عليها، بدءًا من الحديث عن الانقلاب العسكرى ووصولًا إلى معارضة ترشُّح الفريق أول عبد الفتاح السيسى لمنصب رئيس الجمهورية مرورًا بالحديث عن دستور مصر ٢٠١٤ باعتباره دستور «الفاشية العسكرية» وشن حملة على كل ما له علاقة بـ«الثلاثين من يونيو» وبين مجموعة ثالثة هربت خارج البلاد لتقيم فى استوديوهات قناة «الجزيرة» تهاجم كل شىء فى مصر وتتحدث بلسان إخوانى كامل وتتبنى رواية التنظيم الدولى دون رويّة أو إمعان للنظر.
والأمر المؤكد أيضا أن أنصار «٣٠ يونيو» ينطلقون، برؤية وطنية خالصة، يضعون خارطة طريق للبلاد ويسيرون نحوها بخطى ثابتة، بينما يخرج أصحاب الرؤية الضيقة للخامس والعشرين من يناير والذين يتبنون رواية الجماعة، يخرجون عن حدود العقلانية والمنطق ويطرحون أفكارًا تتصادم والضمير الشعبى المصرى، ومن ثم باتوا اليوم، فى نظر القاعدة العريضة من الشعب، خارج الإطار الوطنى.
السؤال هنا: هل يمكن تبنى رؤية توافقية تصالحية بين «٢٥ يناير» و«٣٠ يونيو»؟