اقتربنا من المرحلة النهائية للأوسكار، وصلنا إلى الترشيحات الخمسة بفيلم «الميدان» للمخرجة المصرية الأصل الأمريكية الجنسية جيهان نجيم.
كتبت فى هذه المساحة وقبل أكثر من شهر عن «الميدان»، أنه الفيلم الذى أوصل للمرة الأولى السينما المصرية إلى القائمة شبه النهائية للأوسكار التى تحوى 15 فيلمًا، وتوقّعت أننا سنصل إلى القائمة القصيرة للترشيحات الخمسة يوم ١٦ يناير فى مجال الفيلم التسجيلى، وهو ما حدث، أول من أمس، وباقٍ ع الحلو دقة وتحتضن مصر الأوسكار لأول مرة يوم 2 مارس.
سبق للسينما الفلسطينية أن حقّقت أربع مرات ذلك بالوصول إلى القائمة القصيرة، وهو أيضًا ما أنجزه المخرج الفلسطينى هانى أبو أسعد للمرة الثانية، بفيلمه «عُمر» فى مجال الفيلم الروائى، لنتطلع بعدها إلى الأوسكار بفيلمين عربيين.
كيف تحكم على الفيلم، بعيدًا عن كل ما يمكن أن تضعه أمامك من مقاييس أكاديمية؟ المعيار الصائب تستطيع أن تُمسك به بعد مشاهدتك، وهو ببساطة هل لديك رغبة أن ترى هذا الفيلم مرة أخرى؟ إذا كانت إجابتك نعم فهذا هو الفيلم، أما ما حدث لى مع «الميدان» فإنه شىء آخر تمامًا، شعرت فى أثناء المشاهدة أننى أستعيد كل لقطاته، لم أنتظر دعوة جديدة لرؤيته، كنت أحتفظ به فى ذاكرتى وأعيد مشاهدته.
أخيرًا صار لدينا فيلم عن الثورة، تتساءلون: أليس رصيدنا ليس فقط عشرات بل مئات من الأفلام تناولت الثورة المصرية، تشابهت فى الكثير من الملامح حتى إننا أصبنا بقدر لا ينكر من التخمة، الأهم من كل ذلك أننا لم نعد نسعد عندما نقرأ عن فيلم اسمه «التحرير» أو «عيش حرية» أو «الجمل» أو «25 يناير»، وغيرها، فلا يوجد ما يستحق أن نترقبه، حتى جاء فيلم «الميدان» لنرى فيه مصر والثورة، الرؤية العميقة التى صنعتها المخرجة جيهان نجيم، تأخذ من الحياة ما يمنح نظرتها هذا القدر من الخصوصية، الفيلم التسجيلى يسمح بحرية مطلقة فى الاختيار، كما أنه لا يعترف بتلك القيود الصارمة، فأنت عندما تختار لا توجّه أحدًا إلى الأسلوب أو لا تطلب منهم أن يسايروك أو يتبنوا وجهة نظرك ليصبحوا صوتك وصورتك، ولكن فقط أن يكونوا أنفسهم، لا تقول مثلًا هدفى أن أقدّم فيلمًا مؤيدًا للثورة، ولكنك ترصد الحقيقة بإنصاف، هكذا وجدت تلك المشاركات مثل الممثل المصرى المقيم فى لندن خالد عبد الله، ومجدى عاشور المنتمى إلى التيار الإسلامى، ورغم إيمانه بتنظيم الإخوان فإن فى أعماقه حب مصر، فهو نزل إلى الميدان يوم 25 يناير رغم أن الإخوان كتنظيم رفضوا المشاركة، أيضًا المخرجة الممثلة عايدة الكاشف والمطرب رامى عصام الذى حمل لقب مطرب الثورة والناشطة راجية عمران والبطل الحقيقى فى هذا الفيلم هو أحمد حسن، لم نعرف عنه الكثير سوى أنه يملك رؤية عميقة للحياة فى مصر، إنه واحد من ملايين الشباب الذين نزلوا إلى الميدان لإسقاط مبارك، ومثلنا جميعًا توقع أنها النهاية وصدق كلمات المجلس العسكرى، فى أنه سوف يستكمل أهداف الثورة، كان الفيلم يرصد تلك الممارسات الخاطئة للمجلس مع توثيقها، مثل الصفقات بين المجلس والإخوان، ومثل الكثيرين توقعنا أن الذروة هى مع إجراء الانتخابات وتولّى مرسى حُكم البلاد، وأنهت المخرجة بالفعل المونتاج، وسافر الفيلم إلى مهرجان «ساندانس» فى مطلع العام المضى، وفاز بجائزة الجمهور، وتسارعت الأحداث مرة أخرى، ولم تعد هذه هى الذروة، ليشعر صُناعه أن الفيلم يصل إلى نقطة فارقة، وهى أن يتم إزاحة مرسى وهكذا استكملوا مشروعهم، ولا أتصورها بالمناسبة هى النهاية، فلا يزال هناك متسع لنهاية أو لعلها هذه المرة بداية قادمة.
قال أحمد حسن بوجهه المصرى وتلقائيته وخفّة ظلّه، إن الثورة مستمرة، ربما انتهى دور أحمد وصرنا ننتظر أصوات أخرى.. هل توافق الرقابة فى مصر على عرض هذا الفيلم جماهيريًّا، هل تجرؤ الرقابة أن تقول لا؟
كان هذا هو التساؤل الذى أنهيت به مقالى السابق، واعتقدت أن الرقابة لن تجرؤ على المنع، ومع الأسف لا يزال الفيلم ممنوع جماهيريًّا من العرض، هل صار داخل الدولة دولة تناصب ثورة 25 يناير العداء، ماذا لو حصل الفيلم فى مطلع مارس على الأوسكار بينما العالم يتابع رعشة أيادى الرقباء المصريين، «اللى حيمنع الميدان عمره ما حيبان فى الصورة»!!