شهد الاستفتاء على تعديلات الدستور أو دستور الثورة عددا من الظواهر الإيجابية الجديرة بالتسجيل والملاحظة فى تاريخ الاستفتاءات المصرية.
فقد كان هناك حضور لكبار السن بشكل ملحوظ وبأعداد كبيرة ليس فى محافظة أو منطقة معينة بل كان ذلك فى معظم المحافظات.. وكان هناك حرص منهم على المشاركة.. ولعل كثيرا منهم يشارك لأول مرة فى استفتاء.
حضور السيدات كان ظاهرًا ومرتفعًا فى هذا الاستفتاء.. وإن كان حضورهن فى الاستفتاءات والانتخابات ما بعد ثورة 25 يناير ملحوظًا أيضًا.. مشاركتهن فى ثورة 25 يناير كان جديرًا بالاهتمام والملاحظة.. وكذلك فى ثورة 30 يونيو.. بل إن الكثير منهن حرص على الخروج فى استفتاء دستور 2012 الإخوانى لإعلان معارضتهن له.. وحرصن على الوجود فى الطوابير التى حاول الإخوان تعطيلها لمنعهن من الإدلاء بصوتهن بعد أن عبّرن عنه بشكل واضح وصريح بأنهن ضد دستور الإخوان الطائفى.
.. فمشاركة المرأة مستمرة منذ ثورة 25 يناير وحاضرة دائمًا فى جميع المناسبات.. ولعل خروجها أيضًا ضد ممارسات الإخوان فى ظل حكمهم يحسب لها.
.. لكن كان حضورها فى هذا الاستفتاء أكثر.. وتأكيدًا لحقها فى المشاركة السياسية ودورها فى خريطة الطريق وصنع مستقبل هذا البلد كعنصر أساسى فى هذا الوطن وليس عنصرا مكملا أو بالمحاصصة أو محتقرا كما كان يريد الإخوان وحلفاؤهم.
أيضًا من الظواهر الجديرة بالملاحظة غياب الحضور السلفى وحزب النور على عكس ما كان يفعله قياداته خلال فترة ما قبل الاستفتاء من مؤتمرات وحضور ودعوة للحشد للتصويت بـ«نعم على الدستور» والجولات الماكوكية التى كان يقوم بها قياداتهم وعلى رأسهم ياسر برهامى.. فوجودهم فى هذا الاستفتاء لم يلاحظ كما تمت ملاحظتهم وحضورهم فى استفتاء 19 مارس 2011 أو فى 2012، ويبدو أنه خلال المرحلة السابقة قد انفصلت القيادات فى حزب النور عن قاعدتهم وأصبح لتلك القاعدة رأى آخر.. خصوصا أنه كان معلومًا أن للسلفيين والنور وجودا فى اعتصامات الإخوان.. فضلاً عن الحديث لدى الكثير من السلفيين للعودة مرة أخرى إلى ما كانوا عليه قبل ثورة 25 يناير.
أيضًا كان هناك حرص على المشاركة والتصويت دون رشاوى أو زيت وسكر كما كان يستخدم من جماعة الإخوان أو من بعض رجال أعمال نظام مبارك.
ولعل من الظواهر الجديرة بالتسجيل أن ملايين المصريين خرجوا وحرصوا على المشاركة فى الاستفتاء وكان تصويتهم عقابيًّا لممارسات الإخوان التى وصلت إلى مرحلة متقدمة من الإرهاب وترويع المواطنين.
.. فقد كان خروج الملايين ضد الإخوان بشكل واضح.. ولم تؤثر أى دعوات إخوانية فى الحرص على المشاركة فى الاستفتاء.
وتثبت نتائج الاستفتاء أن الحضور الإخوانى ضعيف.. وأنهم استطاعوا فقط أن يبيعوا الوهم ويقدموا أنفسهم أنهم أغلبية باعتبارهم جماعة منظمة.. وإذا بهذا الاستفتاء يجعلهم يتجرعون السقوط الثانى بعد سقوطهم وعزلهم فى 30 يونيو.
.. فجاءت نتيجة الاستفتاء بأغلبية نعم لتضع الإخوان مرة أخرى فى حجمهم الحقيقى وأن عملياتهم الإرهابية لن تنفع مع هذا الشعب الذى تصدى فى البداية لفشلهم، وحاول إصلاحهم إلا أنهم افتروا واغتروا وتخيلوا أنهم يملكون الأرض ومن عليها.. وأن الشعب يسير وراءهم بإدعائهم أنهم أصحاب الدين الصحيح فإذا بهم فاشيين ويتاجرون بالدين من أجل الحكم والسلطة.
ولعل أهم الملاحظات هى الدروس الذى يقدمها الشعب دائمًا بأنه هو صاحب القرار وأنه لن يسكت ويصمت.. وأنه يسعى لبناء دولته الحديثة المدنية.
.. وأن هذا الشعب يعطى رسائله إلى من يسعى إلى تشويه ثورته ويحاول مرة أخرى فرض انقسام بالفتنة ما بين ثورتى 25 يناير و30 يونيو.. ولعل ممن يدعون أنهم ثوار 30 يونيو القادمون من خلفية مبارك ومشروع تورثيه السلطة لابنه يدركون الآن أن الدستور فى ديباجته الذى حظى بهذه النسبة العالية من المشاركة والتصويت -ويدّعون أنهم يروجون له- يؤكد أنه دستور ثورتى 25 يناير و30 يونيو.
.. فالشعب يريد الانتقال الديمقراطى بسرعة دون ضجيج «المشوهين» وتحمل شخصية وطنية مسؤولية الرئاسة خلال المرحلة المقبلة، وبرلمانا يضمن مشاركة القوى السياسية والحيوية فى صنع مستقبل هذا البلد.
.. فالشعب تحمل الكثير.. وجاء أوان تحقيق أهداف ثورته.