أعتذر إليكم مقدمًا، ربما لأننى لا أجد فكرة جيدة أكتبها ونتحاور حولها، وقد يضرب أغلبكم أكفهم فى بعضها بعضًا ويسخرون من هذا الكاتب الذى لا يجد فكرة يكت عنها فى مجتمع لا يكاد يستكن حتى يقف على أطراف أصابعه من سخونة الأحداث المتلاحقة عليه مثل موجات بحر هائج مضطرب، أين ضاعت أفكاره إذن؟! كلام صحيح فى مظهره، عنف وإضراب أطباء وحرق سيارات شرطة وتسريب مكالمات تليفونية مخزية عن أشخاص يبيعون وطنهم فى سوق النخاسة، وقناة تجريبية جديدة من صناعة الحزب الوطنى الفاسد تسخر من ثورة المصريين بالرقص والغناء الخليع بزعامة المناضلة سما المصرى، ومرشح رئاسى سابق يحاول أن يعود إلى صدارة المشهد السياسى كأن الثورة لم تندلع فى مصر أصلًا ويجهز نفسه للترشح مجددا إذا لم يخلع الفريق عبد الفتاح السيسى زيه العسكرى وينزل إلى ساحة السياسة، وقوات الأمن تحتشد وتتخذ إجراءات مشددة لمنع جماعة الإخوان الإرهابية من عرقلة الاستفتاء على الدستور، وبدء حملة جديدة للهجوم على الأستاذ محمد حسنين هيكل من باب التجديد وقتل المَلل متعللة بأسباب واهية وقديمة، شماتة الناقد الرياضى الهمام علاء صادق فى الأهلى بسبب تربص وزير الرياضة طاهر أبو زيد بالنادى العريق لثارات شخصية بينه وبين مجلس الإدارة، ويقول علاء لهم: اشربوا بعدما تآمرتم على الرئيس محمد مرسى الزملكاوى وأيدتم الانقلاب (!!!) والدكتور اللوذعى محمد الجوادى بشطحاته المريضة يحذر المصريين من التصويت بنعم على الدستور، لأنه دستور يشجع الشذوذ وزواج المثليين، إخوان جامعة الأزهر ما زالوا فى حالة جنون العنف الذى ركبهم، بقية الجماعة على حالها فى قطع الطرق والمسيرات السلمية جدا، الأمريكان والأوروبيون قلقون من حكم قضائى بحبس نشطاء سياسيين، وبالمناسبة لا توجد هذه المهنة فى العالم، والنشطاء السياسيون فى الخارج هم أعضاء فى أحزاب ولهم أنشطة خارجها.. إلخ.
بالله عليكم.. ما الجديد فى كل هذا؟! صحيح هى أحداث ساخنة متواترة، لكنها صارت خبزًا «بايت» ويمكن أن نصرخ بأعلى صوتنا: لا جديد تحت الشمس!
ومن أين يأتى الجديد إذا كنا مجتمعا يمضى إلى الأمام وعنقه مشدود إلى الخلف؟! كيف نصنع مستقبلا وعقولنا غارقة فى الماضى بكل خلاياه؟! إما لتصفية حسابات شخصية قديمة مع أشخاص أو مؤسسات أو تيارات سياسية، أو لاسترجاع زمن يستحيل أن يعود بأى شكل من الأشكال، لأن البشرية تمضى قدما طول الوقت ولم يحدث أن أعادت تجارب سابقة إلى الحياة، بما فيها الأديان السماوية نفسها.
ما كل هذا العبث؟!
هذه ليست أسئلة للإحباط، فقط نحاول سويًّا أن نقلب فى دفتر أحوالنا، وهى أحوال دفعت البعض إلى الجانب المعتم لنا، فقالوا إن تخلف المصريين دائم ولا أمل فيهم للخروج من هذا المستنقع: فقر وجهل وعشوائيات وبلطجة ووقاحة وكسل وإهمال، وزاد الطين بلة هذا الطابور الخامس الساعى إلى دوام الفوضى فى حياتهم! وفى الحقيقة لست متشائما، وما يحدث لنا وحولنا هو «أعراض» مرض طويل لم نشف منه بعد، ولم نكمل العلاج الصحيح له، وكل ما يحدث هو الآثار التى تركها لنا عصر الرئيس الأسبق حسنى مبارك، وأخطر ما صنعه هذا العصر ليس نهب الأراضى والثروات وتهريب المليارات، هذه أتفه الأشياء، فالأخطر هو «إفساد عقل» الإنسان المصرى وقيمه وحياته، والثروات مهما نهبت يمكن تعويضها فى سنوات قليلة، لكن الإنسان حين تُنهب قيمه وعقله لا يمكن تعويضهما بسهولة، ولهذا علينا بكل ما نملك من قوة أن نصد غوائل الحزب الوطنى المتنمرة المتربصة بنا، للعودة إلى خشبة المسرح العام، وطبعًا لا أتحدث عن العاديين منهم، وإنما عن أصحاب النفوذ والثروات الفاسدين وهم معروفون لنا تماما. والأهم أن نفكر فى تأسيس نظام قائم على العدل والمساواة وتكافؤ الفرص، وقطعًا لن تحل مشكلاتنا بين يوم وليلة ولا فى عام أو عامين، وهذه الفترة يلزمها أن يشعر الناس بالعدل وأن نزرع فيهم أملا حقيقيا وليس زائفا بأن الغد أفضل. العدل والأمل هما آلة الرفع لانتقال المصريين إلى العمل والجد والمثابرة والاجتهاد، وقد يكون الدستور الحالى هو أول خطوة فى الطريق، ثم الانتخابات، لنشكل حكومة شعبية، تحول مواد الدستور إلى منظومة قوانين تعيد للمصريين ثقتهم فى العدالة بوطنهم، وتبث فيها الأمل، ثم نبدأ عملية إصلاح شاملة فى أهم مرفقين: التعليم قرين العقل، والقضاء قرين العدالة، وهنا يمكن للمصريين أن يتحملوا تكاليف الفترة الانتقالية، ولا يشغلون أنفسهم بكثير من العبث، فينزوى العبث بأخبارها الغبية بعيدا!