أهم مسؤولية للرئيس المصرى القادم هى ترسيخ أسس نظام ديمقراطى حقيقى يكرس دولة القانون والمؤسسات، وأبرز تحدٍّ أمامه هو التصدى لفرق المنتفعين الذين يريدون إعادة عجلة التاريخ إلى الوراء، يسعون للالتفاف كخيوط العنكبوت من أجل تقييد حرية حركة الرئيس القادم. وأتصور أن هناك قطاعا واسعا من منتفعى النظام السابق سوف يحاولون بكل قوة وقف عجلة التطور الديمقراطى ودفع الرئيس القادم إلى تقديم الشخصى على المؤسسى وأهل الثقة على أهل المعرفة والخبرة.
وفى تقديرى أن مجال التحدى الأبرز للرئيس القادم سوف يبدأ بعد الانتخابات البرلمانية، إذ سيعمد قطاع واسع من منتفعى النظام السابق والذين سوف تكون لهم حصة لا بأس بها فى البرلمان القادم، بعض من هؤلاء سوف يخوض الانتخابات ممثلا لأحزاب مدنية قديمة أو جديدة وهناك من سوف يخوض السباق مستقلا، ولكنهم سوف يسعون بعد دخول البرلمان إلى تأسيس حزب سياسى جديد ويروجون للقول بأنه حزب الرئيس الجديد، أو الحزب الحاكم الجديد، وسوف يكثفون التحركات فى مختلف المجالات ومن ثم يسعون إلى أن يكون للحزب الجديد أغلبية فى البرلمان ويضغطون كى يتم الاعتماد عليهم فى تشكيل الحكومة الجديدة أو تقديم أنفسهم للرئيس الجديد باعتبارهم أصحاب الأغلبية الشعبية فى المجلس الجديد.
طبعًا من حق أى فصيل أن يشكل حزبه السياسى فى ضوء الدستور الجديد، ولكن فى الوقت نفسه نحن فى حاجة إلى مواجهة الانتهازية السياسية عبر نصوص قاطعة بعدم تغيير الانتماء الحزبى بعد دخول البرلمان، أيضا لا بد من التأكيد، وعلى نحو قاطع، من قِبل الرئيس الجديد على أنه يعمل رئيسا لكل المصريين، ومن ثم إذا كان عضوًا فى حزب سياسى عليه أن يجمد عضويته فى هذا الحزب فورًا وبشكل حقيقى لا لبس فيه ولا مناورة على غرار ما فعل مرسى، وإذا لم يكن الرئيس الجديد منتميا لحزب سياسى فعليه أن يظل كذلك فلا ينتمى إلى حزب قائم ولا يسعى إلى تشكيل حزب سياسى جديد، فأكبر خطر يهدد التجربة الديمقراطية الوليدة فى مصر اليوم هو تشكيل حزب سياسى جديد يدور حول رئيس الجديد، فسوف يتعامل معه نواب البرلمان على أنه حزب الرئيس، حزب السلطة، الحزب الحاكم ومن ثم سوف يركضون ويهرولون لدخول الحزب الجديد من أجل التمتع بمزايا الحكم والسلطة على غرار ما كان يفعل نواب الحزب الوطنى المنحل.
من بين أبرز مزايا وسمات الواقع السياسى والحزبى فى مصر اليوم أنه لا يوجد حزب مسيطر ولا حزب أغلبية، وأن حزب الأكثرية فى البرلمان القادم لن يحصل منفردا على أكثر من ٢٠٪، وإذا حدث ائتلاف بين أكثر من حزب فى الانتخابات القادمة، فسوف يحصل على أغلبية وسيظل الائتلاف فى حاجة إلى أحزاب أخرى ونواب آخرين حتى يستكمل الأغلبية المطلوبة لتمرير الحكومة وإصدار القوانين.
المؤكد أن رئيس مصر القادم سوف يلعب دورًا محوريا فى تحديد مآل النظام الديمقراطى المصرى، فإذا ما عمل رئيسا لكل المصريين كان فوق الأحزاب ولم ينتم لأى منها، وإذا قاوم كل الضغوط الرامية إلى تشكيل حزب سياسى جديد بعد الانتخابات البرلمانية القادمة، فسوف يلعب دورًا تاريخيا فى دعم وتطوير التجربة الديمقراطية الوليدة فى البلاد.
وأتصور أن رئيس مصر القادم غالبا ما سوف يأتى من خارج الأحزاب السياسية القائمة، ومن هنا فإن الطلب المباشر منه أن يكون رئيسا لكل المصريين، خارج الأحزاب السياسية وفوقها، ولا يوافق على أى محاولة لتشكيل حزب سياسى جديد يستغل اسمه وموقعه، ففى هذه الحالة سوف يخصم الحزب الجديد من رصيد الرئيس القادم، وسيعطى الفرصة للبعض للقول بأن النظام الجديد هو مجرد استنساخ للنظام السابق، لا سيما وأن وجوها قديمة، سبق وتصدرت المشهد الحزبى والسياسى فى النظام السابق سوف تحرص على تصدر المشهد مجددا، لكل ذلك نقول وبوضوح شديد: على الرئيس قادم أن يحافظ على استقلاله عن الأحزاب السياسية القائمة، ويرفض على نحو قاطع تجربة إنشاء حزب جديد وهو فى السلطة.