لن نذهب للتصويت على الدستور لأنه استفتاء على ثلاثين يونيو، وإن كان هو فعلًا تصويتًا على انحياز الثورة تقريبًا...
ولن نذهب إلى التصويت على الدستور لأنه استفتاء على الاستقلال الوطنى فى مواجهة قوى الخيانة والعمالة للغرب والأمريكان وأذنابهم وأذيالهم، وإن كان هو قطعًا تصويتًا على الاستقلال الوطنى...
لكننا سنذهب إلى التصويت على دستور يمثل حدًّا أدنى أساسيًّا للتوافق بين المصريين، وهو أفضل صيغة لعقد بيننا نرتضيه فى ظل أوضاع مجتمعنا الآن بكل مشكلاته وبمستوى تعليمه وعقله وتياراته ونقاباته ومجموعاته وجامعاته وشخصياته وعشوائيته السياسية وعشوائياته الإنسانية.
لكن ماذا يقول الذين يرفضون وضع علامة صح على الدائرة الزرقاء فى الاستفتاء على الدستور؟
طبعا أنا لا أتحدث هنا عن إرهاب وإرهابيِّى عصابة الإخوان، فهى جماعة كذابة منغلقة على أضاليلها وأكاذيبها ومريضة بحالتها العقلية المتدهورة، وهى تخرّف وتخرّب وتثير شغبًا وترتكب إرهابا يدل على أنها باتت فى عنبر المرضى الخطرين.
ما يهمنا هنا هو من يمكن أن يراجعوا تفكيرهم ويستعيدوا رشدهم قبل أن يتحولوا فى النهاية إلى مناضلين قدامى يأكلهم الاكتئاب وتنخر فيهم مشاعر الإحباط والكراهية ويقضون حياتهم فى صبّ اللعنات مع الكحولّ فى البارات.
لقد تابعت وقرأت معظم ما قاله وكتبه الداعون إلى رفض الدستور، وستجد خيطا رابطًا واضحًا جدًّا فى كل ادِّعاءاتهم، أنها معجونة بالكراهية المقيتة لفكرة وجود دولة. لكن لنترك هذه الروح المدلَّهة عشقًا وغرامًا للفوضى ونكتشف:
أولًا: أنهم يحلمون بدستور متوهَّم فى أذهانهم لن تتم كتابته أبدًا، إذ يغفلون تمامًا أن الدستور ليس موادَّ حالمة محلِّقة يكتبها مؤلف بل هى تعبير عن القاسم المشترك بين فئات وقوى شعب ومن ثم لا دستور إلا بشعبه وبواقعه خلال كتابة الدستور. ثم إن أعظم الدساتير التى يحنّ إليها بعضهم لم تكُن فى حينها لا الأعظم ولا الأنيل، سواء دستور ٢٣ فى مصر، فقد نال هجومًا ضاريًا بعد كتابته، ولم يكن مرضيًّا عنه بالمناسبة رغم الكلام الآن عن تمجيده، أو دستور الولايات المتحدة الأمريكية الذى نال عند كتابته هجومًا ساحقًا على موادَّ كانت تُوصَف وقتها بالتخلُّف والانحطاط، هذا على سبيل المثال فقط.
ثانيًا: أنهم يتكلمون عن أنفسهم لا عن عن الشعب، بمعنى ما يرضيهم هم لا ما يرضى القاسم الأعظم من المواطنين.
ثالثًا: أنهم ينطلقون من رفض مادتين أو ثلاثة لا من رفض فلسفة الدستور نفسه (ومشكلة هذا الدستور أنه لا فلسفة فعلًا تحكمه)، ثم يرفضون الدستور لموقف ضد مادتين أو مادة واحدة أحيانًا، وهو ما يكشف عن عقيدة مهما بلغت مثاليتها علوًّا وعن موقف تحكمه فكرة واحدة لا رؤية شاملة.
رابعًا: أنهم يرفضون دستورًا لم يبذلوا أى جهد للمشاركة فى كتابته بالضغط أو الدعوة أو الدعاية أو صناعة رأى عامّ، بل هم من اللحظة الأولى فى موقف الرافض -بجلافة أحيانًا- لثلاثين يونيو، ثم يعودون ليتخذوا موقفًا من دستور هو نتاج إجماعها.
خامسًا: أنهم يكرهون الجيش ويتعاملون مع المؤسسة العسكرية باعتبارها مؤسسة عسكرية من أمريكا اللاتينية وجمهوريات الموز، لا مؤسسة حررت بلدًا وشعبًا من الاستعمار الأجنبى ومن الإرهاب الدينى وتواجه عدوًّا محتلًّا وتمثل من يومها الأول مؤسسة التمثيل الوطنى والإجماع الوطنى، وهو ما يختلف حتى التناقض مع هذا الفكر المستورَد فى ذهن هؤلاء الذين يعبدون الكتب والنصوص ويغرقون وينغلقون فى النظريات ويُغلِقون أعيُنهم وضمائرهم عن واقع بلدهم.
سادسًا: أنهم يتعاملون كأنهم أوصياء على الجميع لا كأنهم دعاة فكرة يبذلون جهدًا لإقناع الجميع بها، وهو منطق مشحون بغرور الطفولية والمراهقة.
سابعًا: أنهم لا يتورعون ولا يقلقون ولا يترددون فى أن تخدم تصرفاتهم الإرهابيين والخونة، وبالمرة قوى الهيمنة والرأسمالية العالمية التى يحب بعض هؤلاء أن يزعموا مواجهتها.
ثامنًا: ربنا يشفى.