من حق أي مصري يمتلك كل مقومات رئيس الجمهورية أن يترشح للمنصب طالما يرى نفسه مؤهلاً لهذا.. لكن هناك في بعض الحالات يكون ترشح شخص ما لمنصب، إساءة لسمعته هو وضرر بالغ على هذا المنصب.
تمرد..
في 22 إبريل الماضي خرجت الفكرة من أفاق الإبداع والعبقرية التي يتمتع بها معظم شباب هذا الجيل الذي فعل المستحيل مرتين في 25 يناير وفي 30 يونيو.. فكانت «تمرد» لتجمع توقيعات المواطنين على سحب الثقة من الرئيس والدعوة لإنتخابات رئاسية مبكرة والتظاهر في 30 يونيو .. للمطالبة بذلك في سلمية تامة، وهي الفكرة التي خرجت وهوجمت بضراوة شديدة من قبل الحزب الحاكم إبن الجماعة المحظورة ومن جميع تيارات الإسلام السياسي في الإعلامهم وعلى أرضهم أيضاً، وفور أن إنتشرت كالنار في الهشيم ما كان لدى هؤلاء سوى نسخ الفكرة أملاً منهم في إفشالها وهذا ما لم يحدث.. راهن هؤلاء الذين ظلموا أنفسهم وحاولوا إحتكار مصر لهم على غبائهم في عدم فهم طبيعة الشعب المصري التي تغيرت بعد 25 يناير ويقينه بأنه هو صاحب البلد يأتي حكمها لمن يشاء وينزعه عن من يشاء بفضل الله وبفضل إرادته.. فيوم أن أعلنت «تمرد» عن جمعها لما يقترب من الـ 22 مليون توقيعاً، ما كان من هؤلاء سوى النكار بل والإعلان عن أن حملتهم جمعت أكثر من ذلك.. متناسيين الفرق الكبير بين الحقيقة والكذبة.
30 يونيو...
خرجت الجماهير إلى ميادين بأعداد لم ولن تتكرر في تاريخ البشرية تقدر بـ 33 مليون مواطناً مصرياً.. خرجوا كأنهارٍ من البشر تجري في كل شوارع مصر.. يطالبون الرئيس بالرحيل والدعوة إلى إنتخابات رئاسية مبكرة، وهذا العدد أكثر من التوقعات بل والتوقيعات التي جمعتها «تمرد» بكثير، بل أكثر ممن صوتوا في الإنتخابات الرئاسية العام الماضي لمرسي وشفيق معاً، في مشهد مهيب أذهل العالم ووجه بصلته الإعلامية إلى الميادين المصرية وكأن المشهد كان يبدوا أنه سيغير شيئاً في خارطة العالم السياسية.. وهو ما حدث بالفعل.
مر اليوم ولم يخرج علينا الرئيس ولا رئيس الوزراء ولا حتى جنايني قصر الرئاسة ليقول شيئاً لهذه الجماهير الحاشدة وربما هول المشهد أربك الحسابات الخاطئة التي كانت في جعبتهم، فما كان من الشعب إلا الإنصراف على موعد بعد يومين.. وما كان من القوات المسلحة سوى إعطاء نفس المهله للرئيس لكي يحل الأزمة ويلبي المطلب الوحيد لهذا الشعب.. فما كان من الرئيس سوى الخروج قبل إنتهاء المدة بساعات ليهدد شعبه بالعنف إذ لم يحترم الشرعية الدستورية.. وما كان من الشعب إلى أن قال له «لف دستورك وخده أنت ماشي» وفور إنتهاء المدة التي أعطاها له الشعب وتبنتها القوات المسلحة التي ترعى مصالح الشعب وتحفظ أمنه وتتبنى مطالبه، خرج الشعب بنفس الأعداد في ساعات قليلة ليملأ الميادين ويقول للرئيس «إرحل».
القوات المسلحة..
هنا كان لزاماً على القوات المسلحة إلا إجبارة على الرحيل حفاظاً على الدولة وليس على النظام.. كما كان لزاماً عليها في 25 يناير وأجبرت مبارك الذي كان واحداً من ضباط هذه المؤسسة العسكرية على الرحيل.
إنحازت القوات المسلحة للفصيل الذي يمثل معظم الشعب المصري، وألقى بيان عزل مرسي الفريق أول عبد الفتاح السيسي بعد مشاورات طويلة حول خارطة الطريق المقبلة مع القوى السياسية ممثلة في الدكتور محمد البرادعي وشباب تمرد وشيخ الأزهر وبابا الكنيسة واستقروا على الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس المؤقت عدلي منصور في يوليو الماضي.. وتعهد الحاضرون جميعاً على عدم ترشح أياً منهم للرئاسة في الإنتخابات المقبلة على الأقل مهما كانت الظروف ومهما حدث من تداعيات طالما أن خارطة الطريق تسير على النحو المبين في الإعلان الدستوري ولم يحدث أي تعديل عليها.
إنقلاب عسكري..
هكذا روجت الجماعة المحظورة التي أصبحت فيما بعد جماعة إرهابية لشبابها وشباب تيارات الإسلام السياسي الذي محى فكر التنظيم القائم على السمع والطاعة عقولهم فهم لا يَعقلون بل يُلقنون.. أن ما حدث في الثلاث من يوليو هو إنقلاب عسكري متناسيين ما حدث قبلها بثلاثة أيام فقط من خروج معظم الشعب المصري في الميادين وكأنهم صم بكم عمي لا يعقلون لمطالب الشعب برحيل محمد مرسي.
هكذا روجت الجماعة وأمنت على ترويجها الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوربية.. حتى وإن إضطروا بعد ذلك للإستلام للأمر الواقع.. فذاكرتهم الأن لا توجد بها أن ما حدث كان إنقلاب عسكري.
ويتعجب الشعب الذي خرج في 30 يونيو عن أي إنقلاب يتحدث عنه هؤلاء والشعب كله في الشارع ولم ينزل الجيش من الأساس كما نزل وقت مبارك.
إعتصامي رابعة والنهضة..
كانت الأمور في إعتصام جماعة الإخوان المسلمين في ميداني رابعة والنهضة هادئة تماما رغم أنها لم تكن تخلو من تصريحات عنترية على المنصة من بعض قيادات الجماعة الذين كانوا خارج السجون وقتها، كما لم يخلو الإعتصام من بعض المناوشات هنا وهناك إلا أن الأمور كانت تحت السيطرة شبه التامة.
إلى أن وصل محمد بديع إلى الإعتصام وألقى الكلمة التي كان لها مفعول التغيير.. حيث في لحظات كان الهياج في شوارع القاهرة والجيزة والإسكندرية ومحافظات أخرى.. فجأة ظهرت أسلحة هؤلاء في تقتل وتصيب المدنيين العزل والمتظاهرين السلميين من الفصيل الأخر في الشارع.. بل قد وصل الأمر إلى أن أهالي منطقة «المنيل» وقفوا حائلاً دون إقتحام هؤلاء لميدان التحرير بالأسلحة، فما كان من هؤلاء إلى إطلاق الرصاص الحي على الأهالي.. وما شاهده العالم أجمع في الإسكندرية فلم تشفع عندهم رحمة الدين ولا أخُوة الوطن ولا إنسانيتهم من إلقاء صغاراً من فوق أسطح العمارات من دون رحمة ولا شفقة ثم ذبحهم.
إستقالة البرادعي..
لم يكن أمام الشباب في 30 يونيو سوى تفويض الرجل الذي كان صاحب فكرة الثورة ليقود الموجة الثانية لها وليس أحداً سواه.. فهوى الذي يحترموه المعارضين يخشوه الإخوان ويهابونه الفلول الذين لن يستطيعوا أن يقفزوا في وجوده.. فهوا ليس من هؤلاء الخائنين لشعوبهم ولا من أولئك المتفاوضين على مبادئهم.. فاستطاع أن يضع خارطة الطريق التي كان يريد أن ينقذ بها ما تبقى من ثورة 25 يناير ويضع المسار الصحيح نحو تحول ديمقراطي حقيقي .. فكان هدفه الأسمى هو عقد مصالحة وطنية مع الجميع فلولاً وإخواناً عن طريق العدالة الإنتقالية والمصالحة الوطنية التي طالب بها مراراً منذ ثورة «25 يناير»، ثم إستحدث بعد 30 يونيو وزارة للعدالة الإنتقالية لتنفذ المشروع المتميز للمصالحة الوطنية من دون التعدي على القانون، لإيمانه بأن الدولة لن تستقيم إلى عندما تنتهي العداءات التي إستطاع مرسي وإخوانه في عام واحد أن يجعلوها هي السمة الوحيدة لهذا البلد.. فوجود «محمد البرادعي» هو ما جعل الجميع يشعر من خلال التوجهات العامة والميول الشخصية لرجال نظام ما بعد «30 يونيو» أنهم ينتوون أن يبيدوا كل خطايا الأنظمة العفنة السابقة من دون إقصاء أو إنتقام سواء من النظام الإخواني السابق أو النظام المباركي الأسبق .. مستعينا بالكفاءات والعقلاء في هذا البلد حتى «وإن كانوا خصوماً سياسيين لهم بشكل حضاري» وفي تثبيت مباديء وقوانين وممارسات حكم يقوم على أسس ديمقراطية تكون العدالة الإنتقالية والمصالحة الوطنية هي الأساس التي يضمن بناء دولة قوية متماسكة يستحيل هدمها ببساطة .. فالبرادعي يرى كما يرى شباب الثورة .. أن العواطف والمشاعر في مصر مختلطة، فهناك الكثير من التعاطف مع الرئيس المعزول «محمد مرسي» وأيضا المزيد من الغضب، ولكن نحاول تعلم قبول وجهات النظر المختلفة، وهذا هو السبيل لتحقيق الاستقرار، وما يجب علينا الآن التأكيد علي وقف العنف ونبذه من جميع الأطراف .. وأن ضرورة الحوار مع جماعة الإخوان المسلمين ومحاولة إقناعهم بأن «محمد مرسي» فشل في إدارة البلاد لا يعني أننا سنقصي جماعة الإخوان من المشهد السياسي، ولكن ينبغي الاستمرار لتكون جزءا من العملية الديمقراطية وأن تشارك في صياغة الدستور وكذلك الانتخابات البرلمانية والرئاسية.
حتى قررت الدولة من دون إرادة البرادعي فض إعتصامي رابعة والنهضة بعد إلحاح كبير من قوى الشر في هذا البلد من الذين قرروا تصفية حساباتهم من مرسي وجماعته.. وهنا شعر «الرجل النبيل» بأنه قد خُدع من زملائه في السلطة ونفذوا هذا المخطط الذي لا يتسق مع مبادئه التي عاش وسوف يعيش في سبيلها .. فما كان منه سوى الإستقالة فهو لا يستطيع تحمل في رقبته أمام الله وأمام ضميره كل هذه الدماء التي سالت والتي لن يستفيد منها سوى أصحاب الفكر المتطرف من دعاة العنف والإرهاب .. وبعد فترة لن تكون أبداً بالقصيرة سيخضع الجميع للمصالحة لا محالة.
الإرهاب في الشارع..
منذ فض إعتصامي رابعة والنهضة وأصبحت العمليات الإنتحارية في سيناء أمر طبيعي ويحدث شبه يومي وإعتادت عليه أجهزة الدولة ممثلة في الجيش والشرطة.. إلى أن وصل إلى قلب مصر في العاصمة والمحافظات ووتيرته في إزدياد يوماً بعد يوم ولا يبدو أنه سيتوقف قريباً فبرغم وجود جميع قيادات جماعة الإخوان المسلمين المؤثرين في إتخاذ القرار في السجون إلا أن الإصرار على العنف في الشارع والتظاهرات التي تندد بما أسموه هم إنقلاب عسكري لا تتوقف.. ولا يعلم أحد إلى أي منقلب في النهاية سينقلبون.
الإستفتاء على الدستور..
يستعد المصريون للذهاب إلى الصناديق للمرة الأولى بعد 30 يونيو والسادسة بعد 25 يناير.. للتصويت على على الدستور الذي صاغته لجنة الخمسين بعد أربعة ستة أشهر من من تعطيل العمل بدستور 2012.. وبعد تصدير خطاب التصويت بنعم يعنو الموافقة على ماحدث في 30 يونيو والتصويت بلا هو دعوة لرفض خارطة الطريق وعودة الإخوان.. أصبح التصويت معركة كبرى حياة أو موت كما حدث في إستفتاء مارس 2011 بأن نعم للإسلام والجنة ولا للعمانية والنار، وأصبح الطرفين يعدون العدة للمعركة الكبرى.. معركة البقاء.
هذه هي حقيقة ما جرى طوال الفترة الماضية بالنسبة لغالبية الشعب المصري الذي خرج خرج في 30 يونيو لإسقاط محمد مرسي.
ماذا لو ترشح السيسي؟..
إذا إستغل السيسي الشعبية الكبيرة التي حصل عليها جراء وقوف القوات المسلحة مع الصف الوطني وخضعت لإرادة الشعب المصري كما فعلت في 25 يناير وقرر ترشيح نفسه على الخلفية الشعبية الجارفة عند الغلابة وهم الغالبية العظمى في هذا البلد.. ستكون الحقيقة السابقة محض خيال عند الكثيرين.. حيث ستصبح تمرد حركة زرعتها المخابرات في الشارع المصري كي تحشد هذا العدد الهائل من المصريين الغاضبين في الشارع كي يجملوا وجه الإنقلاب الذي حدث في 3 يوليو بعد أن إستطاعت الدولة الأمنية بكل أجهزتها محاربة مرسي طوال العام الذي حكم فيه مصر كي تُفشل حكمة ولم تستجيب لقراراته لأنه قادم لمحاربة الفساد الذي عاشت عليه تلك الدولة العميقة طوال عقود من الزمن... وأن ما حدث في 30 يونيو هي مسرحية كبيرة كتبتها تلك الأجهزة الأمنية كي يصفق الجمهور بحرارة في مشهد التحية للفريق بطل المسرحية.. كما سيعتبر الكثيرين إستقالة البرادعي هروب من الفخ الذي وُضع فيه بعد أن إكتشف المؤامرة التي حاكها هؤلاء عليه ليكون بينهم لتبيض وجه هذا الإنقلاب الأسود أمام دول والعالم الذين يثقون في شفافيته وسعيه دائماً نحو الديمقراطية تمام الثقة، وسيكون رفض وجوده على رأس الوزارة آنذاك كان من قبل الفريق واللواءات حتى لا يحدث جدال تستغله الجماعة وأنصارها إذا تمت إستقالته وهو يشغل منصب رئيس وزراء مصر حيث كانوا قد عزموا العزم وبيتوا النية للإطاحة به في أقرب فرصة.. وسوف يقوي فرص تصديق هذا السيناريو صمت البرادعي نفسه عن إعلان ماذا حدث في الغرف المغلقة قبل إستقالته.. خاصة وأنه أول مستقيل في مصر يشغل منصب كهذا في حالة من وجود علامات إستفهام كثيرة تتبعها علامات تعجب أكثر.. كما أنه لم يحدث شيئاً طارئاً غير متوقعاً يجعل من ترشيح السيسي أمراً حتمياً طالما أنه قد أعلن في أول بيان له أن القوات المسلحة لن تكون طرفراً في المشهد السياسي ولن تسعى نحو الحكم في المستقبل.