لا أزال أتذكر تلك الواقعة التى مرّ عليها نحو 15 عامًا عندما تَلَقَّى الشاعر الرقيق أحمد شفيق كامل اتصالًا من جمعية المؤلفين والملحنين يخبرونه أنهم فى إسرائيل يريدون موافقته لطبع أعنيته «إنت عمرى» على «سى دى»، وتركوا له تحديد الرقم، وكانت إجابته القاطعة: «يغوروا هُمّا وفلوسهم».
ليس لنا سوى سلاح واحد فى مواجهة التغلغل الإسرائيلى، وهو إغلاق باب التطبيع، وعلى كل المستويات. العالم العربى مُتخَم بالعديد من المشكلات التى تهدد أمننا القومى، ولكن لا يعنى هذا أن نغضّ الطرف عن محاولات إسرائيل اختراقنا ثقافيا، خصوصًا مصر، وبين قوسين مهرجان القاهرة السينمائى الدولى الذى كانت ولا تزال تسعى إليه.
إن إجابة السؤال الذى كتبته فى العنوان هى «لا وألف لا للأفلام الإسرائيلية»، إلا أننى قرأت للناقد الكبير سمير فريد الذى أسندَت إليه وزارة الثقافة مسؤولية إقامة هذه الدورة من مهرجان القاهرة وهو يوجه فى بابه اليومى «صوت وصورة» قبل نحو أسبوع فى «المصرى اليوم» عتابًا شديد اللهجة إلى المهرجانات العربية السينمائية لأنها رفضت عرض فيلم إسرائيلى، وللعلم لدينا فى عالمنا العربى 200 مهرجان سينمائى (المملكة المغربية وحدها لها 100 مهرجان). كل هذه المهرجانات منعت فى العامين الأخرين عرض الفيلم الإسرائيلى الجنسية والمنشأ «خمس كاميرات محطَّمة». الفيلم شارك فى إخراجه عماد برناط الفلسطينى وجاى ديفيد الإسرائيلى وحاصل أيضا على دعم من صندوق دعم السينما الإسرائيلية. المهرجان العربى الوحيد الذى سمح بعرضه وعلى استحياء هو «الرباط»، الفيلم كان بين خمسة أفلام تسجيلية رُشِّحَت فى العام الماضى لجائزة أفضل فيلم أجنبى تسجيلى طويل فى مسابقة «أوسكار»، لم يحصل على الجائزة رغم أنه كان الأفضل، وهو بالمناسبة يُدِين إسرائيل ووحشيتها فى إقامة المستوطنات، ولكن ليست هذه هى القضية. هل أخطأت المهرجانات العربية أم أنها كانت مدركة للخطر الإسرائيلى؟ فى الحقيقة لم تكن المرة الأولى التى يعلن فيها ناقدنا الكبير على ذلك، سبق أن كتب أكثر من مرة فى هذا الشأن، ولم يكن يعنينى التعقيب، فكل منا حر فى قناعاته الفكرية ولكن عندما أصبح يشغل موقع رئيس المهرجان انتقلنا من الخاص للعام.
مهرجان القاهرة عنوان لمصر، وهذه الدورة تحديدًا تقيمها مباشرة وزارة الثقافة ويشارك فيها أيضًا نقابة السينمائيين ومعهد السينما بإقامة تظاهرتين، أى أن هذا الموقف له مردوده السياسى رسميًّا وشعبيًّا.
مصر هى الدولة العربية الوحيدة التى لها سفارة فى تل أبيب، ولإسرائيل سفارة بالقاهرة، الاعتراف السياسى الرسمى قائم منذ عام 79 بعد توقيع اتفاقية كامب ديفيد، وكانت مصر من خلال مثقفيها هى التى انتفضت وقالت بصوت عالٍ «لا للتطبيع مع إسرائيلى» من خلال نقاباتها الفنية، وكل النقابات العربية انتفضت مؤازرة الموقف المصرى فتحول إلى موقف عربى، وظلت المهرجانات العربية حائط صد ضد إسرائيل بينما لا تكفّ إسرائيل عن طرق الباب، وتابعنا مثلًا قبل سبع سنوات محاولة إسرائيل الوجود فى مهرجانَى القاهرة وأبوظبى بفيلم «زيارة الفرقة» الذى سبق عرضه فى قسم «نظرة ما» بمهرجان «كان»، وتستطيع أن تعتبره قصيدة حب لمصر يتخللها عناق بين العلميين المصرى والإسرائيلى. الفيلم يتناول حكاية وهمية لفرقة تابعة للشرطة المصرية ذهبت إلى تل أبيب لإقامة حفل وضلت الطريق إلى إحدى القرى، وكانت فرصة لكى تقترب من الشعب الإسرائيلى لتدرك مدى حبه لكل ما هو مصرى، أى أنه على المستوى الفكرى يُشِيد بمصر وبالفن والشخصية المصرية، وأصدر كل من المهرجانين العربيين بيانات لرفض عرضه، وكانت الإعلامية المصرية نشوى الروينى رئيسة لمهرجان أبو ظبى وحرصت على إعلان ذلك بلا أى لبس، ومن المؤكد أن هذا كان أيضًا رأى سمير فريد وقتها لأنه كان يشغل موقع مستشار مهرجان أبو ظبى، وبالطبع أصدر مهرجان القاهرة بيانًا مماثلًا لرفض الفيلم. لا نسأل فى العادة عن مضمون العمل الفنى ولكن كل ما يحمل الجنسية الإسرائيلية مرفوض شكلا. لو انتقلنا إلى الموضوع فسوف تتعدد المشارب والقراءات سواء بحسن نية أو دونه، ونجد أنفسنا مخترَقين بأفلام ومسلسلات وأغانى إسرائيلية.
هل المهرجان فى دورته رقم 36 لا يزال ملتزمًا بقرار المقاطعة الذى حرص عليه كل رؤساء المهرجان السابقين، أم أنه قد جدت فى الأمور أمور؟!