تحكى لنا كتب التاريخ عن شيخ العرب همام -كبير هوارة الصعيد- الذى بذل نفسه وحياته من أجل أهله وبلده، بينما تكتب لنا صفحات الحاضر عن هوارى آخر -كبير هوارة الفيوم- الذى وهب حبه وإخلاصه من أجل رفعة شأن الكيان الذى يعشقه! الكيان هو الأهلى والهوارى هو تيسير.
رايته فى أثناء المؤتمر الصحفى الأخير، وهو يتابع باهتمام بالغ كل ما يقوله حسن حمدى، رغم أن مكانه ومكانته دائما فى الصفوف الأمامية بين رموز هذا النادى العريق، ورغم أن سنوات عمره بلغت 73 عاما، إلا أنه شاهد كل المؤتمر -الذى جاوز الثلاث ساعات- من الوضع واقفا ومن الصفوف الخلفية، بعيدا عن أضواء وصخب الإعلام! كان فى توتره وانتظاره أشبه بأب ينتظر نتيجة ابنه الوحيد فى امتحان الثانوية العامة!
ارتباطه الوثيق بالأهلى لم ينقطع طوال خمسين عاما متواصلة، حتى أصبح جزءا من النادى والنادى جزءا منه، ورغم ذلك لم يُثِر يوما مشكلة، بل كان داعما دائما له فى كل أزماته، ويشهد على ذلك مساهماته الفعالة مع كل الفرق، خصوصا فريق الكرة الذى أمده بصفقات عديدة، وساعد فى تذليل كل العقبات التى اعترضت طريقه، كما لا يمكن إغفال دوره فى مساندة اللاعبين وتنظيم مباريات الاعتزال لهم بشكل مشرف، التى كان يعتبرها بمثابة رد الجميل لهؤلاء الذين أسهموا فى إعلاء راية القلعة الحمراء.
على الرغم من تاريخه الطويل وشعبيته الهائلة بين أعضاء النادى، فإنه لم يفكر يوما فى الاستفادة من ذلك بالترشح لانتخابات مجلس الإدارة ولو لمرة واحدة، رغم أن نجاحه فيها كان سيكون محسوما! المرة الوحيدة التى أوشك فيها على الانضمام إلى أحد المجالس كانت فى عهد صالح سليم، الذى قرر تعيينه بإجماع الآراء من الأعضاء إلا أن عمر عبد الآخر محافظ القاهرة وقتها عارض هذا القرار -مستغلا سلطته الإدارية فى التدخل فى التعيينات، باعتبار أن الأهلى منشأة تخضع لإشراف المحافظة- ولكن أمام إصرار صالح رضخ المحافظ، ووافق غير أن تيسير نفسه رفض التعيين وانسحب بكل هدوء وكرامة!
كان عاشقا للفريق مرتجى، وصديقا مقربا لصالح سليم، حتى إنه كان الوحيد الذى يجرؤ على مناداته باسمه مجردا دون لقب كابتن أو مايسترو! وسمحت له هذه العلاقة بالتدخل لإقناع صالح بالعودة إلى الترشح مجددا لانتخابات الأهلى بعد أن كان قد قرر الابتعاد نهائيا.
دوره فى دعم الاستقرار داخل النادى وإذابة الخلافات بين الأعضاء -باعتباره عضو لجنة الحكماء- واضح وملموس، أما دعمه المادى والمعنوى للكيان فلم يرتبط أبدا بأسماء أو أشخاص، بل ارتبط فقط بمصلحة الأهلى الذى يعتبره بيته الأول، وبالمناسبة فإن عبارة «الأهلى فوق الجميع» خرجت من عباءته هو، فالتقطها الإعلاميون والجماهير حتى صارت شعارا للنادى.
ما زال حتى اليوم يعيش بانفعالات مشجع الدرجة الثالثة، الذى يذوب عشقا فى ناديه ويتفاعل مع كل انتصاراته وانكساراته، ولا يزال هو الأب الروحى لكل مدربى ولاعبى الفريق الكروى على مر الأجيال، وإن كان الخطيب وشوبير يتمتعان بمنزلة خاصة فى قلبه ويعتبرهما ابنيه بحق.
من المواقف الطريفة التى تُحكى عنه أن الأهلى كان يخوض مباراة هامة، بينما هو يؤدى فريضة الحج، فاتصل صباحا بشوبير كابتن الأهلى ليسأله عن توقيت المباراة، فرد عليه مندهشا: «يا حاج إنت فى إيه ولّا فى إيه؟» فأجابه الحاج قائلا: «يا ابنى قولى الماتش الساعة كام علشان ادعيلكم قدام الكعبة زى ما بادعى لأولادى!».
هل تتعلم جماهير الأهلى -بل وكل أندية مصر- من هذا المشجع الأسطورى الذى يعتبر بحق التجسيد الفعلى والحقيقى للهتاف الشهير «أديله عمرى وبرضه قليل»، والذى قد تكون بالنسبة إلى البعض مجرد شعار أما بالنسبة إليه فهو مذهب وعقيدة؟!
تيسير الهوارى شيخ العرب الأهلاوى، أو بمعنى آخر.. رئيس الشعب الأهلاوى.