المثير للدهشة حقا أن هناك من يفاوض الإخوان أو أقنعتهم مثل تحالف دعم الشرعية.
والدهشة هنا متعددة الأسباب: أولا: لأنها لا تتم عبر الجناح السياسى لتركيبة ٣٠ يونيو ولكن عبر الجناح الأمنى.
وثانيا: أن طلبات الإخوان تتركز على المطالبة بانتخابات برلمانية قبل الرئاسية.
وثالثا: كيف يستقيم المنطق عند الطرفين وكلاهما ينطلق من إنهاء الآخر أو القضاء عليه.. باتخاذ شعار «دعم الشرعية» غطاء للإخوان.. وهنا أى شرعية؟ وإذا كنت تطالب بالشرعية فعلى أى أساس تتفاوض؟ فكل مشروعك يعتمد على إلغاء ما حدث منذ عزل المرسى؟ أما تركيبة ٣٠ يونيو أو جناحها الأمنى المفاوض فكيف تفاوض جماعة أعلنتها «إرهابية» ورغم أن القرار معلق «وغالبا لم يعلن فى الجريدة الرسمية.. كما أنه ليس لديه سند من القوانين»، فإنه مجرد رخصة بقتل المتظاهرين أو على الأقل باستخدام العنف المفرط.
التفاوض يعتمد نفس أسلوب وخطة المصالحة مع الجماعات الإسلامية، وهى مصالحة الاستسلام بعد عنف دامٍ وقمع ملأ السجون بأكثر من ١٣ ألف معتقل من الجماعات الإسلامية.
هذه المصالحة أسفرت عن التوبة أو إعلانها لتخرج قيادات وأعضاء الجماعة من السجون، ويكونوا تحت وصاية وقابلين للاستخدام من أجهزة الأمن.
وهذا ما حدث من المصالحة مع الجماعات الإسلامية، التى جعلتهم «قنبلة» تحت الرماد استخدمتهم أجهزة مبارك، لكنهم عندما تحالفوا مع المرسى خرج العنف من مكمنه واستعاد الأمراء المعتزلون زمام قيادتهم لحرب الكراهية على المجتمع كله.
لماذا تعاد الخطط الفاشلة مرة أخرى؟
لماذا تستخدم الرعب الكبير.. لتصل إلى تلك الهدنة المهددة دائما بموازين الجبروت الأمنى؟
غالبا هو العجز من دولة قديمة ليس لديها شىء غير سلطويتها ومؤسساتها، تشبه الوحش الكبير الذى لا ينقرض رغم أن كل الظروف تمنطق انقراضه.
وهذه الدولة رغم عجزها تتحرك بغريزة البقاء.. ومن ضمن باقة البقاء هو التفاوض مع العدو/ المنافس بعد سحقه ليبقى فى وضع «المستسلم» و«المحظور» لا الشريك، كما كان بالنسبة للمجلس العسكرى بعد إزاحة مبارك.
وهذه الدولة القديمة لا يمكنها هزيمة الإخوان والتيار الإسلامى هزيمة سياسية تاريخية، وليس هزيمة القضاء عليه أو إبادته «بغض النظر عن استحالة الإبادة».
وبالإضافة إلى عدم الإمكانية هناك أيضا إرادة فى استخدامه فزاعة لجمهور واسع، يزداد فزعه الآن بعد التجربة.. وهذا الجمهور يضم المسيحيين، ومستثمرين هددهم تغيير مراكز القوى، فالإخوان لم يغيروا النظام والقانون المتحكم فى السياسة والاقتصاد لكنهم أبقوا عليه، وحاولوا السيطرة عليه وتغيير الولاء لصالح مكتب الإرشاد.
وكما منع الإخوان فى سنة المرسى قوة بناء مجتمع ديمقراطى فإن الجناح الأمنى يمنع هزيمة الإخوان هزيمة تاريخية، مكتفيا بإضعافهم ذلك الضعف الذى يدخلهم تحت سيطرته من جديد.. ومن أجل هذه الخطة البائسة يطلق الجناح الأمنى مندوبيه على الشاشات ضد المطالبين فى الجناح السياسى بالمصالحة أو بإدماج الإخوان فى العملية السياسية.
ورغم أنها مطالبات لم يعد لها وجود تقريبا فى الجناح السياسى من التركيبة الحاكمة.. وأغلبهم مشغول فى إثبات قدرته على الاندماج فى أجهزة الدولة التسلطية وخدمتها بكل ما يملك من قدرة على بيع ماضيه المعارض.
ينفصل الجناح السياسى فى التركيبة الحاكمة عن القوى السياسية التى أتى منها، ويسهم عبر تجاهله لها فى كل انحيازاته «الجديدة»، وفى محاولة إثبات عناصر الاختلاف مع القوى التى ما زالت محبوسة فى الاحتجاج.. وتتلقى ضربات عنيفة لعزلها أو لترسيخ هشاشتها.
وهذا الوضع يفرز تركيبة حاكمة ضعيفة رغم جبروتها الأمنى، ضعيفة سياسيا أمام ابتزاز السلفيين وحتى الإخوان «عن بعد».. ولهذا مثلا فى تونس التى يحكمها الإخوان لم يفرضوا فى الدستور ربع ما فرضه الابتزاز فى مصر.
وهى أيضا ضعيفة أمنيا، لأنها تستعين بخبرات فشلت فى حماية مبارك وتريد تنفيذ مخططها الانتقامى رغم أنه بلا أفق ومسدود، هكذا استعاد الجهاز الأمنى ضباط حبيب العادلى «أقواهم مجموعة من ١١١ ضابط أمن دولة.. سافروا بعد استبعادهم للعمل فى الإمارات ثم عادوا للعمل بعد ٣٠ يونيو..»، هذه المجموعات تقود الشرطة لخدمة أجنحة سياسية تتوهم قدرتها على إلغاء ٢٥ يناير، وهذا يضعف كل محاولات إعادة بناء الشرطة وتطوير الكفاءة والتخلص من الضعف.. فالمنتقم ضعيف ولو امتلك القنبلة النووية.