كالعادة نستمع إلى أصوات نشاز تصاحب عيد ميلاد السيد المسيح عليه السلام، تأتى من حزب النور السلفى، تحرم تهنئة الأقباط بعيدهم، بل إنهم هذا العام وجهوا اللوم إلى نادر بكار المتحدث الإعلامى للحزب الذى كتب على صفحته مهنئا كل المصريين بالسنة الجديدة. السلفيون يستندون -ولا أدرى إلى أى شىء- إلى أن التهنئة الدينية فى الإسلام لا تجوز سوى فقط فى العيدين الفطر والأضحى، وأنه محرم تهنئة المسيحيين وغيرهم من أصحاب الديانات الأخرى إلا فى المناسبات الدنيوية فقط.
هل لا تزال مثل هذه العقول تجرؤ على أن يعلو صوتها؟ مع الأسف يحدث هذا وأكثر، ونتعجب لأن الرسول عليه الصلاة والسلام تزوج السيدة مارية القبطية، ونسأل هل من المعقول أن الرسول فى صباح عيد الميلاد المجيد بدلا من أن يقول لزوجته كل سنة وأنت طيبة يدير وجهه على الجانب الآخر؟ والرسول كما هو معروف عنه كان حسن المعشر، حلو الكلام ودائم الملاطفة لزوجاته. المؤكد أن السلفيين -وهم من المفروض أن يقتدوا بالسلف الصالح- لم يدركوا أن هذا هو سلوك السلف الصالح. إنهم يسيئون إلى الإسلام بتلك الممارسات، ولا يدركون أنها مجرد خزعبلات، وأن الزمن يحيل كل هذه التُرهات عبر وسائل التواصل الاجتماعى إلى سخرية تنال من الإسلام، والناس معذورة، فهم يجدون رجلا يطلق لحيته ويمسك بكتاب الله، ثم يعلن حرمانية أن تقول لإنسان يؤمن بديانة أخرى كل سنة وأنت طيب.
إذا كان الإخوان أرادوا أن يحكمونا سياسيًّا وفكريًّا واقتصاديًّا، طبقا لما يتراءى لمكتب المرشد، فإن السلفيين لا يقلون خطورة، لأنهم يريدون أن يحكمونا اجتماعيًّا بآراء تخاصم الطبيعة البشرية. السلفيون يمزقون الوطن بتلك الدعوات التى تسىء أولا إلى الدين، والحقيقة أن الأمر لا يخص فقط السلفيين، هناك نظرة متطرفة لعدد من رجال الدين حتى من دأب الإعلام على أن يصف بعضهم بالمتفتح أو المستنير، مثل الشيخ خالد الجندى، وله تسجيل شهير على «اليوتيوب» وهو يحذر طفلا من أن يأخذ هدية من بابا نويل، ويقول له: لماذا لا تأخذها من بابا محمد، أو بابا مصطفى، وهكذا يزرعون تلك الأفكار المريضة لدى أطفال فى عمر الزهور، بأن بابا نويل يخص آخرين، ونحن فقط لنا بابا محمد. الأدهى أن نفس الشيخ ستجد له تسجيلا يقول فيه: «ولمَ لا، على المسلم أن يهنئ المسيحى فى عيده ويأكل من أكله ويشرب مما يشرب»، وفى الحالتين ينسب الشيخ القولين إلى صحيح الدين. ولا أتصور ودون أن نسأل أهل الذكر أن داخل الدين الواحد كل هذا التناقض. عدد من شيوخنا يفسرون الدين حسب مصالحهم وطبقا لسياسة الفضائية التى يطلون من خلالها على المشاهدين، وربما أيضا حسب الظرف الزمانى، فإذا كان المطلوب هو إظهار الوجه الطيب يصبحون دكتور جيكل، وإذا كان المطلوب هو الوجه الآخر المتشدد الدميم «مستر هايد»، فهم جاهزون.
عيد ميلاد الأقباط مناسبة دائمًا ما تختلط بالموقف السياسى، وهكذا مثلا وجدنا أن جمال مبارك كان منذ بداية مشروع التوريث يحرص على الحضور للكنيسة وتقديم التهنئة، فهو يريد توصيل رسالة أن الكنيسة لا تعترض على التوريث، وبالطبع البابا كان يستقبل جمال مبارك مثلما يستقبل كل رجال الدولة، ولكن كان هناك من يحاول خلط الأوراق. إحدى المجلات وضعت على غلافها صورة لجمال فى الكنيسة تحيطه هالة من النور، لتصل الرسالة بأن البركة تحل عليه من السماء. قبل ثورة 25 يناير عندما قرر البرادعى أن يشارك فى حفلات عيد الميلاد، لم يمر الأمر ببساطة وكان السؤال هل يجلس البرادعى فى الصف الأول طبقا للبروتوكول، وما طبيعة الاستقبال؟ وحضر البرادعى لأن الكنيسة لا يمكن أن توصد بابها أمام أحد، وعندما حدث الاعتداء على كنيسة القديسين، الذى سبق بأيام قليلة عيد الميلاد المجيد، وكان هناك تهديد لكل الأقباط، شرع عدد كبير من المسلمين فى الذهاب للكنيسة ليلة 6 يناير 2011، وتوجهت وقتها لكنيسة المرعشلى بالزمالك، ووجدت عدد المسلمين داخل وخارج الكنيسة لا يقل عن الأقباط، وأكلنا فى نهاية الاحتفال من نفس الرغيف!!