قبل أيام قليلة كان صديق عزيز من المناضلين بصدق وصمت فى سبيل هذا الوطن، يخبرنى بأنه تلقى عرضا بربع مليون جنيه من القناة القطرية «الجزيرة» ليقضى أسبوعا فى الدوحة يشارك خلاله فى ما نراه على شاشتها الموجهة ضد مصر.
وقال الصديق إنه رفض على الفور، وإنه يعرف أن غيره من السياسيين والمناضلين قد فعل مثله. وعندما قلت له إن هناك من يذهب ويعتبر نفسه غير مسؤول إلا عما يقوله فقط، كان الرد: أنت الذى قلت إن ما تقدمه «الجزيرة» ليس إلا دعارة إعلامية.. فهل من المعقول، أيًّا كانت المبررات، أن أذهب إى الصلاة فى بيت دعارة؟!
بعد بضعة أيام كان مشهد الدعارة الإعلامية التى تقدمها «الجزيرة» يتوارى قليلا مع كشف حكومة قطر عن وجهها القبيح المعادى لمصر وللعروبة بعد طول مراوغة. وكان البيان الوقح الذى صدر عن وزارة الخارجية هناك، تطورًا هامًّا، يكثف بالفعل أن هناك مخططا واحدا للتآمر على مصر وشعبها. وأن حكومة قطر مثل حكومة أردوغان مثل الجماعات الإرهابية التى تقودها الإخوان.. كلها مجرد أدوات صغيرة تؤدى دورها المنحط فى خدمة مخططات أمريكا وفى حماية قواعدها وأجهزة مخابراتها!
لم تكن صدفة أن يخلع حكام قطر آخر ورقة توت تستر عَمَالتهم وتفضح تآمرهم على مصر، فى نفس الوقت الذى كانت فيه جماعات الإرهاب بقيادة الإخوان تخوض معركة «طلوع الروح» فى مصر، وتقول إنها ستعطل الاستفتاء على الدستور بالقوة، وتحاول- بفشل عظيم- أن تدارى عجزها وانفضاض الناس عنها وكراهيتهم لها.. باستخدام العنف وقتل الأبرياء وزرع المتفجرات فى الأوتوبيسات وبجوار المدارس والمستشفيات!
لم يكن كل ذلك صدفة.. فالمطلوب من «المتآمر الكبير» فى واشنطن إشعال الموقف بأى طريقة، واستدراج الدم بأكبر قدر، والتشويه الإعلامى بكل حقارة. ولم يكن أمام «صبيان المؤامرة» فى الداخل والخارج إلا كشف الأقنعة وتعرية ما كانت تستره الأكاذيب وعمليات الخداع.
وهكذا انكشفت جماعة «الإخوان» كقائدة لكل جماعات الإرهاب وحليفته لـ«القاعدة» وسقطت كل محاولات تصدير لافتات وهمية بأسماء أخرى من «أنصار بيت المقدس» إلى «كتائب الفرقان» وغيرها من الجماعات التى أدرك الجميع الآن أنها مجرد فروع للإرهاب الأكبر المتمثل فى «الإخوان» بكل تاريخها الدموى على مدى ثمانين عاما.
وهكذا أيضا اضطرت واشنطن إلى تعرية الحكم القطرى فى محاولة يائسة لدعم إرهاب الإخوان ولتعويض غياب الموكوس أردوغان ونظامه الآيل للسقوط. ومع صدور البيان القطرى المتهافت والمنحط، ندرك أن «المتآمر الكبير» فى واشنطن يلقى بكل أوراقه للرد على إصرار مصر على المضى فى طريقها لبناء الدولة الجديدة صاحبة القرار المستقل، ولمنع شعب مصر من تأكيد إرادته بتمرير دستور الثورة واختيار رئيس مصر القادم والقادر على قيادتها فى مرحلة العبور إلى المستقبل الذى تتحقق فيه أهداف الثورة وتعود مصر إلى مكانتها التى انتظرتها الأمة العربية طويلا.
لا شعب مصر ستمنعه عصابات الإرهاب الإخوانية من مواصلة طريقه وتنفيذ إرادته، ولا الدولة المصرية ستسمح بتضييع الوقت مع عبث الصغار من حكام قطر. ليس مطلوبا أكثر من كلمات قليلة يتلقاها سفيرهم من أصغر موظف بالخارجية المصرية تقول إن الصبر قد انتهى، وتحمِّله رسالة إلى حكامه بأن مصر لم تتعود اللعب مع الصغار! وإنهم إذا كانوا قد اختاروا (أو اختارت واشنطن لهم) أن يرتبط مصيرهم بمصير «الإخوان» وحلفائها من جماعات الإرهاب فعليهم أن يتحملوا العواقب، وأن ينتظروا حكم شعبنا العربى فى قطر على من وضعوا أنفسهم فى خدمة مخططات أمريكا وضد مصالح مصر والعرب جميعا.
ويبقى فى النهاية أن موقف قطر وإرهاب الإخوان مجرد تفاصيل فى المخطط الأمريكى الذى نواجهه. فواشنطن لن تنسى أن شعب مصر قد أجهض كل ما كانت ترتب له فى المنطقة، وأن جيش مصر أنقذها من مصير سوريا والعراق حين أسقط فاشية الإخوان المتحالفة مع الإرهاب ومع أمريكا.
واشنطن لن تنسى ما فعلته مصر شعبًا وجيشًا. ومصر لن تنسى موقف الإدارة الأمريكية التى تآمرت مع الإخوان، ثم عادت الثورة التى استعادت مصر لأبنائها، ثم وقفت «تعاقب!» مصر على تصديها للإرهاب بمنع السلاح وممارسة الضغوط لإبقاء تنظيم الإخوان الإرهابى على قيد الحياة، ولمنع مصر من إعادة بناء نفسها، ومنع العرب من أن يكونوا طرفًا فاعلًا فى تقرير مصير المنطقة.
هذا هو جوهر الصراع الآن، بعيدًا عن عبث الصغار من حكام قطر أو من إرهاب الإخوان!