كثير هو الجدل المثار حاليًّا حول الانتخابات الرئاسية القادمة فى مصر، جزء من الجدل يدور حول ترتيب الانتخابات الرئاسية، هل تكون قبل البرلمانية أم بعدها، وأعتقد أن الأمر قد تم حسمه من خلال الحوارات التى أجرتها مؤسسة الرئاسة مع طوائف مختلفة من المصريين، والنتيجة هى أن الانتخابات الرئاسية ستكون أولًا، وأغلب التقديرات تذهب إلى أن الانتخابات الرئاسية ستجرى خلال شهر مارس القادم. جزء آخر من الجدل، وهو الأكثر أهمية، يدور حول مَن سوف يترشّح فى الانتخابات القادمة، والسؤال بوضوح شديد هو: هل سوف يرشّح وزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسى نفسه أم لا؟ وبعيدًا عن الجدل والسفسطة، نعم الرجل حسم أمره وسوف يرشّح نفسه فى الانتخابات القادمة، والمؤكد أن ترشّحه سوف يحل إشكالات كثيرة فى مصر، فللرجل شعبية جارفة بين المصريين، بل وفى العالم العربى، اكتسبها منذ أن وجّه إنذاره إلى القوى السياسية المختلفة بضرورة التوافق، وزادت وتضاعفت بفعل بيان الثالث من يوليو ٢٠١٢ الذى أعلن فيه عن خارطة المستقبل، وكشفت عنها حالة التجاوب الشعبى مع دعوته المصريين للنزول إلى الشوارع والميادين لتفويضه من أجل محاربة الإرهاب. إذن نحن نتحدّث عن مرشح يمكن أن يحقّق التوافق فى هذه المرحلة المهمة التى تمر بها بلادنا، وأن رصيد الرجل فى الشارع المصرى وبين طوائف الشعب المختلفة يرجّح فوز الرجل بنسبة كبيرة تتجاوز ٧٠٪ من أصوات الذين سوف يشاركون فى الانتخابات، وبالتالى فالرجل سوف يحصد المنصب من الجولة الأولى.
المؤكد أن لوزير الدفاع مكانة كبيرة فى قلوب المصريين، وهذه المكانة تمنحه فرصًا غير متكررة كثيرًا فى حياة الشعوب، كى يمارس صلاحياته بالكامل ويحظى بدعم شعبى يمكنه من العمل فى الشهور الأولى من فترة ولايته الأولى بقدر كبير من الثقة، فوزير الدفاع يمتلك صفات القائد الكاريزمى، أى المحبوب من شعبه، والذى يكون الشعب مستعدًا لتحمّل ما قد لا يكون مستعدًا لتحمّله من قائد آخر، يطيعه ويعطيه الفرص ويغفر له الأخطاء والزلّات ويلتمس له العذر، يستمع إليه جيدًا ويكون مستعدًا باستمرار لتقديم حسن النيّات، لكن هذه الفترة عادة ما لا تدوم طويلًا قد تتراوح من بين نصف العام إلى العام، ومن بعدها ينتهى «شهر العسل» ويبدأ الحساب، وحسب الإنجاز، إما أن تستكمل سمات الكاريزما أو يفقدها تدريجيًّا، الأمر يعتمد بالأساس على الإنجاز ومعالجة المشكلات الحادة.
وفى تقديرى أن مسيرة العمل مع الشعب تبدأ قبل الترشح وتتواصل خلال فترة تحمّل المسؤولية، ودعونا نقولها بصراحة شديدة إن أول مسؤولية أمام القادم لرئاسة مصر هى التخلص من «دراويشه» أى الذين ينسبون إلى أنفسهم معرفته وينقلون عنه أقوال وتصريحات، يتدخّلون فى أجندته ويحددون الأولويات، فكثيرة هى الوجوه التى تقول إنها على علاقة بالرجل وتعرفه، تجلس معه وتنقل عنه، وبعض هذه الوجوه إن لم يكن أغلبها، وجوه قديمة لا مصداقية لها فى الشارع المصرى، استمرارها فى المشهد يضر بالرجل ويجرح صورته الناصعة لدى قطاعات واسعة من المصريين، ومن ثم لا بد أن ينأى بنفسه عن هذه الظاهرة فتكون علاقته بالشعب مباشرة، وإذا أراد أن يبلغ المصريين بشىء فلا بد أن يكون ذلك بشكل مباشر إلى أن يعلن قراره رسميًّا ومن ثَم يختار لنفسه فريق عمل من وجوه مقبولة وتحظى بالاحترام والتقدير لدى الرأى العام. لا بد أن يكون واضحًا أن مَن يريد لمصر عبور ما تبقّى من المرحلة الانتقالية بأمان عليه أن يتوقف عن إطلاق التصريحات والبيانات وادعاء العلاقات الخاصة بالشخصيات التى سوف ترشّح نفسها فى الانتخابات القادمة. أما عن المسؤوليات والتحديات التى تواجه الرئيس القادم، فهى كثيرة ومتنوعة وسوف نتناولها تباعًا إن شاء الله.