تأملت التعليق المكتوب على الشاشة طويلا، وفجأة دخلت فى نوبة ضحك مؤلمة، فشر البلية ما يضحك، التعليق يقول: «قوات الشرطة تفض مسيرة لتنظيم الإخوان الإرهابى»، عبارة عبثية فيها قدر هائل من التناقض، من ضخامته لم يلحظه كاتب التعليق ولا مؤسسات الدولة ولا المتابعون للأحداث السخيفة المركبة من العنف والكراهية التى دأبت عليها جماعة الإخوان منذ استرداد المصريين لعرش بلادهم من قبضتها، فكيف تفض الشرطة مسيرة لتنظيم إرهابى؟! المسيرة عمل مشروع يسمح بها القانون وينظمها، ويحدد لها إجراءات عملها، الإرهاب عمل بغيض ومُجرم ومُطارَد فى كل قوانين الدنيا، حتى فى بلاد تركب النمل والديدان، فما بالك بوطن تأسست فيه أول حضارة.
بالله عليكم كيف تجتمع كلمة إرهاب ومسيرة فى جملة مفيدة؟ يا مثبت العقل والدين يا رب، يبدو أن المصريين قرروا أن يعيدوا اختراع العجلة، وأن يضيفوا جديدا إلى عالم التنظيمات الإرهابية، والعالم به ما يقرب من ١٥٧ جماعة تنتشر من اليابان إلى كولومبيا، موضوعة على لائحة «منظمات إرهابية»، من أول منظمة «تندار إنجومار» فى الهند إلى «شاينينج باث» فى بيرو، المدهش أن نصف هذه الجماعات لها أسماء تُلصقها بالإسلام عنوة وقسرا، بعضها فى دول ذات أقليات إسلامية، ولا يعرف العالم أن ثمة منظمة من هذه المنظمات سمح لها بالخروج فى مسيرة أو مظاهرة، فلم نسمع مثلا عن مسيرة لجماعة إنفاذ الشريعة المحمدية فى باكستان، أو مسيرة لحركة «تاميل العالمية» فى كندا، وهى منظمة من مهاجرى سيريلانكا. بل إن البوليس الكندى أغارَ على مكاتب هذه الحركة وصادر كل ممتلكاتها وأنشطتها، بمجرد أن وضعت الدولة جماعة «نمور التاميل» فى سيريلانكا على لائحة الإرهاب، وكانت حركة «تاميل العالمية» قد تورطت فقط فى تمويل جماعة النمور، وهى جماعة تطالب بانفصال «التاميل» بالجزء الشمالى الشرقى من سيريلانكا، وتمارس أعمال عنف لفرض هذا الانفصال، واتهم البوليس الكندى حركة «التاميل» العالمية بجمع «أموال حرب» من دافعى الضرائب الكنديين من أصل سيريلانكى، لتمويل النمور العنيفة.. ولم تقم لها قائمة رسمية أو شبه رسمية من وقتها، لا نشاط ولا مسيرات.
مصر فقط هى التى يُسمع عنها أن الشرطة تدخلت لفض مسيرة لتنظيم إرهابى..
وقد نتفق أو نختلف على وضع الإخوان على لائحة الإرهاب قبل التصفية القانونية لها، لكن تنفيذ القانون لا خلاف عليه، إما أن نرفعها من القائمة ونطبق على مسيراتها ومظاهراتها قانون تنظيم التظاهر والإجراءات الجنائية، وإما نُخضع كل نشاط أعضائها لما يفرضه تصنيفها كجماعة إرهابية بكل ما يتضمنه من إجراءات مشددة، والقانون لا يفض مسيرات لتنظيمات إرهابية وإنما يقبض على أصحابها ويحاكمهم بتهمة الانضمام إلى تنظيم إرهابى!
وقطعا لا أطالب بمحاكمة أى عضو فى الجماعة بهذه التهمة الخطيرة، وإنما أطالب باحترام القانون، أيا كان القانون الذى نصدره، والمسألة ليست متعلقة بوزارة الداخلية وأداء واجبها، وإنما بمفاهيم الحكومة وتوجهاتها، والداخلية تتحمل فعلا فوق طاقتها فى بلد مضطرب مرتبك واقع بين براثن فوضى مصنوعة تنتجها ماكينات خارجية وتوكيلات داخلية، تنشط فى بيئة تعشش فيها فيروسات جهل وعشوائيات وتخلف.
وهنا يأخذنا الكلام إلى طلاب وطالبات جامعة الأزهر من جماعة الإخوان، وسؤالنا هنا مشروع تماما: هل ما يصنعونه من قطع طرق وحرق مبان وشجر واشتباكات وإهانة الأساتذة وضربهم هو «جُرم مدنى بالمصادفة»، أم «جُرم إرهابى مقصود»؟!
الإجابة ضرورية بلا لف ولا دوران، ولا تزويق ولا انتظار شهادة حسن سير وسلوك من المنظمات الدولية ووزارات الخارجية فى أنحاء العالم.
هل يجوز التعامل مع هؤلاء الطلاب الذين يحرقون دور العلم التى يتعلمون بها بأن لهم «حقوقا» يجب الحفاظ عليها ومراعاتها؟!
هل يعقل أن يدفع الشعب المصرى من دم قلبه ثمن المبانى وأجور الأساتذة والعاملين وتكاليف المعامل والمكاتب والمدن الجامعية والأكل والشرب، ثم يأتى هؤلاء الذين ينعمون بها مجانا لحرقها وتعطيلها مع سبق الإصرار والترصد، ثم لا نطبق عليهم قرار جماعة الإخوان تنظيم إرهابى؟!
هذه الجماعة وطلابها لم يعلنوا الحرب على سلطة الدولة ولا سلطة الجامعة ولا المؤسسات العامة، وإنما أعلنوا الحرب على الشعب المصرى، يستنزفون موارده ويعدلون حياته ويحاولون إعدام مستقبله، فالخلاف السياسى مهما كانت شدته لا يصل بطرف من الأطراف -حتى لو أحس أنه مظلوم وأُخذت منه السلطة عنوة- إلى هذه الدرجة من العمل على تدمير وطنه كله.
باختصار لا يعرف القانون «مسيرة لتنظيم إرهابى» فهل نستدعيه بكامل قوته ليعيد بعض الهدوء إلى حياتنا؟!