كان لمقالى السابق بعنوان «صفقة الفساد بين الحياة وشاهيناز»، أصداءً واسعة، فتحدث معى كثيرون، وناقشونى فى فكرة المقال، وتجاوز النقاش والرسائل البريدية الإلكترونية حالة المقال إلى حالات أخرى عديدة، وذكرها لى المتحدثون بالاسم، لدرجة أن مواطنًا أوقفنى فجأة فى الشارع ليقول لى: «مش كفاية المذيعين الذين يخرجون علينا فجأة بلا سابق معرفة، ليديروا حوارات مصر المستقبل، هى ناقصة كمان الست شاهنياز تيجى تعطينا مواعظ وتدير النقاشات»!!، ونصحنى هذا المواطن بالحديث فى هذا الموضوع مرة أخرى، ووعدته أننى لن أسكت عن ذلك أبدًا، ولولا هذا الوعد ما كانت قد تعرضت له مرة أخرى إلا للضرورة، فالكاتب الحقيقى هو من يقول كلمته بوضوح وشجاعة واقتدار ومسؤولية، ويدير الحملات بالقلم فهو سلاحه الوحيد، وعليه أن يمضى أى يتحرك لشىء آخر، ويترك التفاعلات تمضى هى الأخرى، والمؤكد أن الكلمة الصادقة الواضحة الحقيقية أقوى من السيف.
وعلى أية حال، فإنه من كثرة ترددى على الفضائيات المختلفة منذ وقت مبكر وللآن، أرفض الظهور المكثف، رافضًا الاستضافة إلا لضرورة ومع مذيعين وضيوف محترمين، حرصًا على احترام المشاهد، لأنه الهدف الحقيقى، لاحظت أن هناك أحاديث متعددة عن صفقات ظهور المذيعين ومقدمى البرامج الحوارية «التوك شو»، وأن هناك نوعية من هؤلاء لديها الاستعداد، لأن تقول ما يملى عليها ولو تناقضت، فيشن هؤلاء الحملات لأغراض مختلفة بعيدًا عن المهنية، ومن ثم أصبح فى ظهور هذه النوعية «جريمة إعلامية» كبيرة، علينا أن ننتبه إليها ونبحث فى كيفية فرملتها والتخلص منها، وإلا فإننا نساعد فى إعادة إنتاج التخلف الإعلامى، وبحكم استضافتى كثيرًا وفى قنوات متعددة، أستطيع أن أحكم وأقيم المذيعين ومدى صلاحيتهم للقيام بهذه الوظيفة من عدمه، فهناك ما يعرف بالكنترول «غرفة التحكم»، الذى يوجه المذيع، مثل الملقن فى المسرح، لدرجة التدخل فى وقف المتحدث والتدخل فى حديث لإرباكه، والتوجيه فى دفة الحديث.. والشوشرة عليه إذا خرج عن أجندة القناة.. إلخ. حتى إن استضافة المداخلات تكون بإرادة غرفة التحكم، وقد تكون بترتيب منها مع ناس معنيين.. إلخ، ولا يخفى على الضيف الواعى إدراك ذلك بسهولة.
وفى أول أيام السنة الجديدة (2014) بحثت فى القنوات لأجد ما أستريح للاستماع إليه ومشاهدته، وإلا فإن الفيلم القديم هو الملاذ، فوجدت د.صلاح جودة يتحدث باسترساله المعهود فى الاقتصاد المصرى، فأوقفت القناة لأستمع إليها وإذا هى «الحياة»؟ والمذيعان «أحدهما شاهيناز، والآخر لا أعرفه»، فإذا بحوار العجب!! ضيف واضح ومذيعان ليس لهما فى إدارة الموضوع، الأمر الذى جعلنى أتحامل بعض الوقت على مضض لأكتشف ما سبق الحديث فيه، فكل نتيجة لها مدخلات معينة، فمن الصعب أن تدخل «حديدًا» فى ماكينة الغزل والنسيج لتعطيك «غزلاً ونسيجًا» أو ثوب معين، فإذا أردت أن تحصل على الزى المحدد، عليك بإدخال خيوط الغزل المعينة، حتى يتم نسجها وتحويلها إلى المطلوب، وفى كل صنعة القاعدة واحدة بلا شك، فإذا أردت «مذيعًا جيدًا ومهنيًّا» كقاعدة، عليك بالشخص الذى تتوافر فيه مواصفات معينة ومنها الدراسة والتدريب والصلاحية والكفاءة المطلوبة والقدرات الخاصة، ويعرف أيضًا الممارسة المهنية لا الدعائية، لأن المذيع ومقدم البرامج ليس بعارض لإعلانات ولا مروج لسلعة، بل صاحب رسالة فى تنوير الشعب والإسهام فى التنشئة الموضوعية، لكن الملاحظ أن الفرص تعطى لغير أصحابها فى هذا المجال، بل تعطى فى إطار الصفقات التى وصلت إلى تبادل المنافع وإعادة إنتاج فساد نظام مبارك بل ورموزه، رغم أن أغلبهم لا يمتون إلى الإعلام بصلة «لا دراسة ولا خبرة.. ولا..»، بل بكل أسف تستغل هذه الوظيفة لمحاولة تنظيف سمعة البعض بما يعرف بغسيل السمعة، وربما يدفعون أموالا لممارسة هذه المهنة، ليقوموا بأداء دور فى شن الحملات على الثورة.. فها هو محامٍ شهير اشترى وقتا فى إحدى القنوات، الأمر الذى أدى إلى هياج الرأى العام، فتوقف المشروع ربما إلى حين، فالمناخ ملبد بالغيوم، فى إطار فترة «القلق الثورى»، وها هى «شاهيناز» أصبحت مقدمة برنامج، وها هم بعض معدى البرامج من صحفيين مغمورين أصبحوا فى هذه المهنة، وها هم من كانوا أدوات فى يد أمن الدولة ومخبرين على زملائهم، أصبحوا مذيعين والجعبة مليئة، والكيل طفح، حتى إن أحد السياسيين من نظام مبارك اشترى فترة لتقديم برنامج إلى غسيل سمعته، والمفاجأة أنه عرض علىَّ من التليفزيون المصرى بعد ثورة 25 يناير لتقديم برنامج، فرفضت وشكرت، وكذلك إحدى القنوات الفضائية، وربما الغرض استقطابى أو حسن النية، إلا أننى رفضت بوضوح، لأن هذه ليست مهنتى، وهى مهنة من يستحقون، فمتى تتوقف هذه الظاهرة التى فيها روائح الفساد والمصلحة؟! الثورة مستمرة حتى النصر.. والحوار متصل بإذن الله.