لم أكن من هؤلاء المخرجين الذين عرف عنهم عشقهم للسينما منذ طفولتهم أو صِباهم. ولم أهرب من المدرسة يومًا كى أذهب لمشاهدة فيلم فى دور العرض، كما لم يكن لى حتى نجوم مفضلون لا من السينما المصرية ولا العالمية، باستثناء بعض الأفلام المصرية التى كانت تشدّ انتباهى وكان على رأسها أفلام المخرج محمد خان.
فحينما اتخذت قرارى بترك الدراسة بكلية الهندسة بعدما أمضيتُ فيها أعوامًا ثلاثة والانتقال إلى معهد السينما لدراسة الإخراج السينمائى، كانت السينما فى ذلك الوقت بالنسبة إلىّ لا تعدو كونها وسيلة للتعبير عما يدور بداخل رأسى من أفكار.
وذلك بعد أن حملتنى الأعوام الثلاثة التى قضيتها فى جامعة القاهرة بين القراءات والندوات والمناقشات موقفا نقديًّا رافضًا للمجتمع بدرجة كبيرة .وأصبح لدى حافز ورغبة كبيرة فى تغيير المجتمع. وكان لدى وقتها إيمان كبير بقدرة الفرد الواسعة على تغيير الواقع. غير أن خجلى الشديد وقف حاجزا كبيرا دون التعبير عن أفكارى بطلاقة وحرية. ومن هنا وقع اختيارى على السينما.
وكان علىّ أن أتمكن من حرفة الإخراج وأمتلك وسائل التعبير التى أستطيع من خلالها تمرير ما برأسى من أفكار بينما أنا مختبئة خلف الكاميرا. وهكذا بدأت العلاقة مع السينما، وسيلة لتمرير الأفكار من أجل إحداث تغيير فى المجتمع.
ثم جاءت سنوات الدراسة الأربع بمعهد السينما. أفلام من فرنسا وإيطاليا وأخرى من البرازيل وألمانيا واليابان والمغرب والجزائر وتونس وصربيا وغيرها من كل بقاع الأرض.
وكما فتحت سنوات الجامعة لى أبواب اكتشاف الحياة، فتح لى معهد السينما بابا لاكتشاف فن السينما. وأصابنى نهم شديد للأفلام. ولم يعُد ما يعرض لنا فى المعهد يكفينى. بل أصبحت أطارد الأفلام فى كل مكان بالقاهرة «أفلام إيطالية يعرضها المركز الثقافى الإيطالى بالزمالك وأفلام من الاتحاد السوفييتى يعرضها المركز السوفييتى بالدقى وأفلام المركز الفرنسى بالمنيرة وجوته الألمانى بوسط البلد بالإضافة إلى نوادى السينما التى تقدم عروض السينما مجانية لعشاق الفن السينمائى وغيرهم.
ورويدا رويدا وقعت فى أسرها، وهى حقا جديرة بذلك، إنها السينما! تلك الجميلة التى احتاروا فى تقديم تعريف لها، أكبر وأعظم كثيرا من أن تكون مجرد وسيلة لنقل الأفكار، الساحرة التى دوبت مريدين كثر ضاع بهم العمر فى محرابها. وعشقتها لذاتها وجمالها دون غرض أو منفعة. حتى إننى فى لحظة صفاء مع نفسى بعد تخرجى بقليل واجهت نفسى بحقيقة أرضتنى وأدهشتنى، وهى أننى إن لم أستطع يومًا أن أصنع أفلامًا مثلما حدث لكثيرين من خريجى المعهد فيكفينى أن يظل العالم يصنع أفلاما جديدة كل يوم حتى أشاهدها فأكون بذلك قد ضمنت أن اقضى حياتى سعيدة راضية مع معشوقتى الجديدة.