بينى وبينه مودة مع أننى لم أقابله إلا مرة واحدة، لكنى طالما استمتعت بآرائه السياسية الشجاعة قبل وبعد ثورة يناير العظيمة. استقبلته فى المنوفية، وأقمت له ندوة حضرها المئات من مواطنى المنوفية بعد الثورة، وكان نجمًا كعادته من خلال هذه الندوة، وأسعد أنه أستاذ ابنتى الكبرى، ومرشح للإشراف على رسالة الماجستير لها فى كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، وكتبت عنه مرات مؤيدًا لآرائه ومستحسنًا لوجهة نظره، ودافعت عن آرائه بعد ثورة 30 يونيو، مع أننى أختلف معها بدرجة كبيرة وعميقة إيمانًا منى بحرية الرأى وإيمانًا برجل محترم لا تجد أمامك طريقًا إلا احترامه مهما اختلفت معه فى آرائه، لذلك لا يمكن أحد أن يزايد على احترامه وتقديره لشخصه.
الرجل الذى أتحدث عنه هو الدكتور عمرو حمزاوى أستاذ العلوم السياسية بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية والناشط السياسى المعروف ومؤسس حزب مصر الحرية.
هذا الرجل المحترم فاجأنى يوم الأربعاء الماضى بمقاله الأسبوعى بجريدة «الشروق» بآراء صادمة.. ولن أتحدث عن مجمل المقالة أو حتى مجمل مقالات الدكتور حمزاوى فى الفترة الأخيرة، الذى يهاجم فيها النظام الحالى، زاعمًا أن ما حدث فى مصر بعد 30 يونيو ما هو إلا انقلاب! وكنت وما زلت أعذر الدكتور بعض الشىء، لأن ما حدث فى مصر زلزال سياسى هز كيان الكبار والصغار، ودراسة الدكتور حمزاوى تجعله يميل إلى الرأى الذى يقول إن ما حدث بعد ثورة يونيو انقلاب عسكرى، لأن الذى تعلمه وعلمه لتلامذته أن دخول الجيوش بتلك الطريقة فى العمل السياسى انقلاب، ومع ذلك لم يرَ الدكتور حمزاوى وأقرانه من أصحاب هذا الرأى الملايين التى احتشدت فى الشارع تطالب بسقوط النظام وبوقوف الجيش بجواره لتحقيق مطالبها. وحتى إن كان ما حدث انقلابًا كما يزعم الدكتور حمزاوى. فإنه انقلاب طلبه الشعب، وأطلق عليه بعض كبار المحللين السياسيين فى الغرب الانقلاب الديمقراطى.
المشكلة ليست فى وصف ما حدث فى يونيو أنه انقلاب من قبل حمزاوى وشركاه فى الرأى.. المشكلة فى ما كتبه الدكتور فى المقالة أننا أمام دستور قمعى، والحقيقة أنا وقفت أمام هذه المقولة كثيرًا لدرجة أننى جئت بنسخة الدستور التى أحتفظ بها لأتفحص باب الحريات القمعى الذى يدعى حمزاوى أن احتواء الدستور له، فوجدت أن الحرية مصونة لا تمس، ووجدت أن للمتهم الحق فى التظلم أمام القضاء من إجراء تعسفى، إلزام الدستور كل من يقبض عليه، أو تقيد حريته أن تتم معاملته بما يحفظ عليه كرامته ولا يجوز تعذيبه ولا ترهيبه ولا إكراهه ولا إيذاؤه ولا حجزه أو حبسه إلا فى أماكن لائقة (هكذا يكون الدستور القمعى كما يراه الدكتور حمزاوى).
الدستور أيضًا يشمل أن تحترم الحرية الخاصة للمواطن من مراسلاته البريدية والبرقية والإلكترونية والمحادثات الهاتفية، ويؤكد أن وسائل الاتصال حرمه (هكذا القمع)، وأيضًا يشمل الدستور على حرمة المنازل فى ما عدا حالات الخطر أو الاستغاثة بأنه لا يجوز دخولها أو تفتيشها ولا مراقبتها أو التنصت عليها إلا بأمر قضائى (هكذا يكون القمع).. الدستور أيضًا يشمل حرية التنقل والإقامة والهجرة ويحرم الإبعاد قصرًا والإقامة الجبرية (هكذا القمع)، ويؤكد الدستور حرية الاعتقاد كحرية مطلقة مع حرية ممارسة الشعائر وإقامة دور العبادة والفكر والإبداع الفنى والأدبى ورعاية المبدعين (شوفوا القمع)، ويؤكد الدستور الجديد أن المعلومات والبيانات والإحصاءات والوثائق الرسمية ملك الشعب وتكفل الدولة لكل مواطن الإتاحة فى طلبها. وتحدث الدستور القادم عن حرية الصحافة والطباعة والنشر وإصدار الصحف بالإخطار وحظر الرقابة على الصحف أو المصادرة أو الإغلاق!
على العموم باب الحريات فى الدستور القادم تنحنى له القامات احترامًا وإجلالًا على ما يقدم من حقوق لحريات المواطنين فى مصر.. ثم بعد ذلك يقول الدكتور حمزاوى إنه دستور قمعى! إننى أطالب الدكتور حمزاوى الأستاذ الجامعى والسياسى اللامع بقراءة الدستور القادم مرة أخرى بعين فاحصة، وأنا على يقين أنه سوف يراجع نفسه مرة أخرى فى حكاية القمع (قمع إيه يا دكتور صعبة قوى الحكاية دى).
نحن نحتاج إلى آراء حمزاوى الفترة القادمة حتى ولو كانت مختلفة مع آرائنا ومع آراء الغالبية الكبرى من شعب مصر.