تتوالد سلالة عجيبة الآن على الشاشات.
أعتقد أنهم رمز بؤس المؤسسات التى تحرّكهم.
نفس هذه الوجوه طريقهم إلى الشاشة كان مسدودًا أيام مبارك/كانت أدوارهم أقل/كتاب تقارير/أو مندوبى الجهات الأمنية فى صحفهم/أو على الأكثر مخبرين درجة عاشرة.
هم الآن يحتلون الشاشات/ليشغلوا تلك المساحة التى تركتها القنوات الدينية/تلك المساحة التى تداعب صناديق القمامة فى عقول الجمهور.
وبالمناسبة هذا الصندوق عمومى وموجود لدى الجميع/هنا فى مصر وفى كل العالم/صندوق تحرّكه غريزة النميمة وعنف التشفّى من النجوم أو الشخصيات العامة دون تفكير/هكذا من منطق أكل ألهة العجوة فى عصور الجاهلية.
المهم أن هذه الصناديق موجودة لدى كل شخص/لكن هناك مَن يقاومها ويضعها فى أضيق مساحة من عقله، وهناك من تحتل عقله كله/ولهذا تظهر سلالة المخبرين البائسين على الشاشة بحضورهم السمج/وأرواحهم الثقيلة/لكنهم الأكثر قدرة على شغل الشاشات بالنفاية وما هو أكثر منها قذارة.
الدهشة لا تأتى منهم.
ولكن من قدرتهم على شغل مساحات فى السجال العام.
فى كل العالم ومع كل أنواع البشر يشغل هذا النوع من محتلى الشاشات مساحاتهم التى تملأ صناديق النفايات.. لكننا هنا والآن يبدو أن هناك فراغًا كبيرًا تشغله هذه النفايات.. ربما الفراغ بين أحلامنا وقدراتنا.. أو بين إغلاق المجال السياسى وفتحه.. أو بين انشغالنا بالسلطة أو بسياسات الحكم وسعينا إلى بناء مجال سياسى أوسع.
اقتصار الكلام حول «سياسات السلطة» وعدم امتدادها إلى مجالات أوسع تتعلق بالقيم المؤسسة للاستبداد والتخلف فى المجتمع.. كان سببًا فى تقلّص المساحة المتاحة لعملية البناء أو عمليات التفكير لتصبح مجرد التعليق على قصص وخرافات تشغل بها الشاشات مساحات من أجل التسلية أو ما أبعد منها، مثل تكوين عناصر رواية لما حدث فى 25 يناير.. رواية من جهات أمنية.. أو من جهات تنفق أموالًا ضخمة من إعادة رواية تلك الأيام بما يجعلها «مؤامرة..» أو «خدعة..» وهى رواية فاشلة لم تنفع مبارك نفسه، ولم تحمه من السقوط أو الإزاحة.. ولم تطل روايات «تامر بتاع غمرة» أو «كرات اللهب» أو حتى الشيخة ماجدة.. عمر نظام مبارك يومًا.
هذه الروايات تعود الآن بقوة المال.. لكنها تعتمد على جناية الإخوان التى عطّلت بناء «المجتمع» بمعناه الحديث أى الفضاء الذى يجد الفرد فيه حريته ويبنى كياناته ويلتزم بما يمليه قانون المجال العام عليه.
الإخوان أيضًا أخافوا الناس/أو الجمهور الواسع من التغيير.. وأيقظوا الخوف من المجهول أو التغيير/وشعرت قطاعات واسعة بالخوف والذعر أنه لو التغيير هو استبدال مبارك بالمرشد فإن جحيم ما نعرفه أفضل من الجنة التى رأيناها فى سنة المرسى التعسة.
صنع الإخوان هذه الفجوة.. لتظهر هذه الوجوه فى كرنفال فجاجة.. للإيحاء بأنهم عائدون.. وأن زمانهم سيرجع ودولتهم العميقة ستنتصر.
وهى بالضبط روح الكرنفال.. إنهم يحتفلون..
كما يحتفل أتباع الجنرال بينوشيه فى تشلى حتى الآن بعد ميلاده.. رغم أنه مجرم من نوع يبدو معه مبارك ومَن يخلفه فى الملاعب مجرد تلاميذ صغار.
لكن بينوشيه له جمهور يعبرون عن مصالح وثقافات /لكنهم فقدوا السلطة ومعها معها قدرتهم على السيطرة والهيمنة.. لأن هناك كسرًا فى البنية التحتية للمستبد.
وهنا فى مصر هناك جمهور ينتظر «المباركية»، لكن قواعدها لم تعد موجودة/كما أن أى بطل سيأتى على أكتاف الجماهير لن يستطع تقديم ما يرسّخ حكمه/لأنه لا يمتلك بترول إيران (التى رسّخت جمهوريتها بالمال قبل الأفكار) ولا مشروع عبد الناصر فى التحرر وقدرته على إعادة توزيع الثروة..
أما استعراضات صناديق النفاية البشرية/سيكون لها دومًا جمهور واسع/لكن جمهوره ملول/سيطلب تسلية بلا حدود/وفقرات متجددة دائمًا.
المشكلة ليست هنا..
المشكلة فى حجم الانشغال بهذه النفايات واعتبارها نهاية العالم/أو الإحساس بالهزيمة أمامها..
إنها نميمة/وخزعبلات.. لها تأثير سيكبر إذا كنت ضعيفًا.. وسأذكركم قبل أن ينتهى المقال أن نجمًا من نجوم هذه العروض روى عن الفريق السيسى عندما كان مديرًا للمخابرات الحربية، مما يؤكّد أنه «متسلل إخوانى إلى الجيش» وتطرق إلى تفاصيل تخص عائلته (زوجته منتقبة… وأقاربه المنتمين إلى الجماعة..).. يومها كانت المعلومات مسربة لضرب فرص السيسى.. ولخدمة منافسين له فى المجلس العسكرى.
أين هذه الحكايات الآن؟
وهل بقى منها شىء بعد أن أصبح السيسى منقذ الشعب من الإخوان..؟