«نصف ما أقوله لك.. لا معنى له.. غير أنى أقوله.. لعل النصف الآخر يبلغك».. مقولة للعم «جبران».. أستطيع أن اتكئ عليها.. متوكلاً على الله.. مستعيذاً به من الشيطان الرجيم.. فاتحاً دُكانة الكتابة.. راششاً أمامها ما تيسر من الشاى والقهوة والسجائر وبخور الصندل ذى الرائحة الحزينة.. يا فتاح يا كريم.. يا رزاق يا عليم.. صبحنا وصبح الملك لله.. وأما بعد..
كلما توغلنا فى دهاليز الحياة أكثر.. تركنا وراءنا طرقاً أكثر وبشراً أكثر.. نتركهم بعد أن نكون قد أعطيناهم ما حملتنا به السماء من علامات تخصهم.. وبعد أن نكون قد أخذنا منهم العلامات التى تخصنا.. ولكن.. فى وقت من الأوقات.. قد يزهق البنى آدم منا.. وييأس ويُحبط ويكتئب ويُصاب بالملل من نفسه ومن العيشة واللى عايشينها.. وهنا.. دعنى عزيزى الزهقان أذكرك بحقيقة مهمة جدًا جدًا جدًا.. وهى أنك كما تتعامل مع الكون.. سوف يتعامل الكون معك.. حتبعلته طاقة سلبية.. حيردهالك أضعاف مضاعفة من الأحداث السلبية فى حياتك.. حتبعتله طاقة إيجابية حيردهالك برضه أضعاف مضاعفة من الأحداث الإيجابية.. فعل ورد فعل.. ذلك هو شكل العلاقة الطبيعبية بين البنى آدم منَّا وبين الكون.. هل تشعر بأنه مكان غير صالح للإقامة فيه؟! .. إذن.. هو أيضاً يشعر بأنك إنسان غير جدير بأن تسكنه.. هل تتوقف مع نفسك أحياناً لتراجع تصرفات الكون معك وعندما تكتشف أنه لم ينصفك تقفش عليه؟! إذن.. هو أيضاً يتوقف مع نفسه أحياناً (دا اللى هو الكون) ليراجع تصرفاتك معه وعندما يكتشف أنك لم تنصفه يقفش هو الآخر عليك.. فعل ورد فعل.. أسمع بعضكم الآن يتساءلون.. إذن.. ما الذى ينبغى على البنى آدم منَّا أن يفعله فى مواجهة هذا الكون؟! .. ما الذى يملكه البنى آدم الضعيف محدود القدرات والإمكانات والأوبشنات ذى الفترة العمرية المحدودة جدًا على وجه ذلك الكوكب «المُلعَب» وبين جنبات تلك الدنيا «الفُونيا».. ما الذى يملكه بنى آدم مثل هذا فى مواجهة هذا الكون الشاسع والممتد منذ الأزل وإلى الأزل؟! .. هل هذا الصراع الذى يخوضه البنى آدم منا طوال حياته مع هذا الكون صراع منصف أصلاً؟!
تساؤلاتكم منطقية جداً.. ولكن دعونى أفكر معكم بصوت عال فى ضوء آخر ما توصل إليه العلم الحديث من Contrast مذهل وعبقرى بين الكون والبنى آدم.. فحتى الآن وبعد كل ما وصل إليه التقدم التكنولوجى والعلمى لا تزال نسبة 80% من الكون عبارة عن ظلام دامس لا يعلم أى أحد من بتوع «ناسا» أو من بتوع أى وكالة أبحاث فضائية على كوكب الأرض على ماذا يحتوى بالظبط.. هذا عن الكون.. أما بقى عن البنى آدم فنسبة المنطقة المظلمة من نفسه البشرية والتى لم يستطع تقدم الدراسات النفسية والإنسانية سبر غورها بعد.. فهى أيضاً 80%.. تلك المنطقة من النفس البشرية هى التى تحتوى على الطاقات والقدرات الكامنة غير المعروفة بعد.. وكل هؤلاء الذين نطلق عليهم لقب «خارقين» ونعتقد أنهم يمتلكون قدرات خاصة تؤهلهم للجلوس تحت الماء بدون تنفس لمدة ساعة.. أو لشد سيارة نقل بشعر ذقنهم.. أو لثنى قطعة معدنية بجفون أعينهم.. أو للقفز إلى مسافة أعلى من المتعارف عليها بشرياً.. أو لتسلق جبل لم يتسلقه بشر قبل ذلك والوصول لقمته.. كل هؤلاء ليسوا خارقين ولا حاجة.. ولا يمتلكون أكثر مما نمتلكه نحن.. فقط.. هم قاموا بالدعبسة فى تلك المنطقة المظلمة من روحهم.. واستخرجوا منها الطاقات والقدرات الكامنة.. والتى لم يفكر البشر الآخرين فى استخراجها.. هذا هو كل الموضوع.. وتلك هى الدعبسة المقدسة التى ينبغى على أى بنى آدم منا أن يدعبسها.. دعبستك تلك سوف تكون أشبه بمن يخطو فوق أرض بكر.. لم تطأها قدم بشرية قبله على مدار كل هذا التاريخ البشرى الممتد والمتشابك.. هل ينبغى عليك أن تشعر بالخطر فى موقف مثل هذا؟! .. طبعاً.. طبيعى جداً أن تشعر بالخطر.. ولكن.. ما نسبة نجاحك فى اكتشاف ما لم يكتشفه بشر من قبلك؟! .. ما نسبة عثورك على كنز ربانى مخبأ ليكون بمثابة جائزة مقدسة لمن يجتهد ويحاول العثور عليه؟! .. هل هى نسبة مغرية للمغامرة؟! .. أعتقد أن اكتشاف ما منحه الله لنا بالفعل داخل أنفسنا وأرواحنا ونحن لا نعلم عنه شيئاً له من القداسة ما يستوجب المغامرة وله من الروعة ما يستأهل المخاطرة !
إذن .. تلك هى طبيعة العلاقة الملتبسة بين البنى آدم منَّا وبين الكون .. تلك العلاقة التى لا تعدو فى النهاية سوى أن تكون وجهين لعملة واحدة .. فاكتشاف جزء من ظلام روحنا وإنارته .. هو اكتشاف لجزء من ظلام الكون وإنارته.. والعكس صحيح!
فى تلك الأوقات التى يصبح فيها الواقع المحلى عوء .. إعتدت أن أبحث عن الحلول فى الواقع الكونى .. فعند الكون دوماً الإجابات الأعم و الأشمل و الأصدق!