المجتمعات التى تحبو على عتبات الممارسة الديمقراطية والعمل السياسى الجماهيرى تشبه الأطفال فى اكتسابها لعادات ومفاهيم ضارة تكبر معها، ويصعب الإقلاع عنها بعدما تصبح نسيجًا متينًا فى تكوينها النفسى والسلوكى. أصابنى الفزع عندما رأيت مواطنين يوقعون الأذى بمصالح مواطنين مثلهم فى مدينة المنصورة، بعد الحادثة الإرهابية الجبانة ضد مديرية أمن الدقهلية، بهمجية يدينها القانون، دفعهم إليها خطاب التحريض والكراهية الصادر من مؤسسات عجزت عن حماية نفسها وحمايتهم لقصور فى أدائها الأمنى والسياسى وأرادت أن تستخدمهم، حتى قبل استكمال التحقيقات، لتوجيه ضربات عشوائية لخصومها. المجتمع الألمانى ما زال يدفع ثمنًا باهظًا حتى الآن منذ أن تمكن منه خطاب الكراهية ضد اليهود والشيوعيين فى فترة الحربين العالميتين، وما بينهما. أيامها شحنت السلطة النازية، المنتخبة، أنصارها ودفعتهم إلى ارتكاب الجرائم فى الطرقات، باسم الوطنية، ضد خصومها الذين سمتهم أعداء الأمة الألمانية. فى ليلة التاسع من نوفمبر عام 1938 حرضت القوات النازية مواطنيها «الشرفاء» على تحطيم وحرق وسلب ممتلكات مواطنين ألمان آخرين من اليهود والشيوعيين، ليملأ حطام الواجهات الزجاجية للمحال والمنازل كل الطرقات فى ليلة سموها ليلة الكريستال، لكثرة ما امتلأت طرقاتها بالزجاج المهشم. هذه ليست مقارنة بين سلطة ما بعد الثلاثين من يونيو وبين النازية، وليست إشارة إلى أى نوع من التشابه بين اليهود والشيوعيين فى جانب، وبين الإخوان وأتباعهم فى جانب آخر. لا يمكن لأحد بأى حال من الأحوال أن يدافع عن إرهاب الإخوان وحلفائهم التكفيريين، وعدائهم للمجتمع الذى لفظهم، ولفظ مشروعهم الفاشل للعودة بالدولة إلى العصور الوسطى. ما يعنينى هنا فقط أن المواطن البسيط تزج به سلطة حمقاء فى صراع قد يدفع بالوطن إلى احتراب أهلى، يحقق هدف خصومها فى إسقاط الدولة التى يفترض أن تكون مؤسساتها الأمنية هى الجهات الوحيدة التى يحق لها احتكار ممارسة العنف بالقانون ضد الخارجين عنه. منح هذا الحق للمواطنين هو بداية الوقوع فى فخ تدمير الدولة. لماذا اعترضنا إذن عندما أراد مرسى أن يمنح ميليشيات جماعته حق الضبطية القضائية بينما نريد الآن أن نمنح أنصارنا حق محاكمة ومعاقبة جماعة مرسى فى الطريق؟ النازيون ابتدعوا عبارة المواطنون الألمان الشرفاء، ومن يومها وكل الأنظمة الفاشلة تستخدمها لتوريط المواطن الغلبان فى صراعاتها رغم أن هذا يمثل اعترافًا منها بتقصيرها وفشلها فى القيام بدورها. يصبح المواطن الذى كان شريفًا بتوصيف سلطة سابقة غير شريف بتوصيف سلطة لاحقة! كأنما الشرف صفة يمنحها من يملك العصا! «إن كنتم لا تقدرون سنذهب إلى طلبة الإخوان ونطردهم من جامعة المنصورة»! عبارة مسجلة بالفيديو قالتها مواطنة غاضبة بعد تفجير المنصورة الإرهابى. هل تدرك هذه السيدة أن أفراد العائلات الإخوانية سيهرعون بالطبع لحماية أبنائهم من أعمال العنف التى سترتكب ضدهم؟ هل هناك توصيف للاحتراب الأهلى غير قتال بعض المواطنين بعضا فى غياب القانون؟ الأسوأ بالطبع أن يتم ذلك برعاية السلطات وتشجيعها لطرف ضد آخر! هذا ما لا نريد أن نتورط به. لا أمتلك غير ضميرى ولا أريد منفعة أو وسامًا من أحد. خطاب الكراهية يطعن دولة القانون فى مقتل، ويلقى إلى الجانى بطوق نجاة لا يستحقه. لأنه يضعه فى مصاف المضطهدين والشهداء، ويؤكد لكوادره من صغار السن والخبرة صحة العقيدة الاستشهادية التى يؤججها قادته فى صدره لكى يواجه بها نظامًا ومجتمعًا جاهليًّا، من وجهة نظره، يريد تحطيم الإسلام ليجعله غريبا كما جاء فى أول الزمان! يا له من حافز يدفع إلى الاستشهاد. ثقافة الكراهية تصب الزيت على النار. نريد وزارة داخلية يترأسها وزير حقوقى يخطو بها إلى المستقبل لتتعلم المهنية بالتوازى مع عدالة انتقالية يدفعان معًا بأفضل كوادرها إلى مقاعد القيادة. لن ننتصر على الإرهاب إلا باحتواء سياسى واجتماعى لمن لم يتورط فى الجريمة وبجهاز شرطة جديدة يتم إصلاحها. وزير الداخلية الذى كان يخرق القانون ويسمح للبلطجية الملتحين بالركوب فى مدرعات الشرطة إلى جوار ضباطه لإطلاق الخرطوش على المتظاهرين ضد جماعة الإخوان، هو نفسه الذى يقود الآن حملات الشرطة لمكافحة إرهاب الإخوان وأعوانهم! تحريات وتحقيقات الشرطة فى بلادنا ما زالت تدار بعقلية مفتش مباحث النكتة القديمة الشهيرة الذى يحتجز أرنبًا مسكينًا فى كوخ منعزل بالغابة ليعذبه ويجبره على الاعتراف بأنه ثعلب! هذه العقلية الفاشلة الاستعلائية لا يمكن لها أن تنتصر على الإرهاب. بالمناسبة نسيت أن أخبركم بأن ليالى الكريستال المهشم لا تتحطم فيها الواجهات الزجاجية للمحال فقط، ولكن تتحطم فيها أيضًا بللورات الكريستال النقية الصافية فى أعماق الضمير الاجتماعى، والتى لا يمكن استعادتها إلا بعد عقود من الشك والصراع المضنى بين عقدة الاضطهاد، وعقدة الذنب، والتضحيات الغالية التى سنتكبدها فى ما بينهما. شهادة حق لن أكتمها، وأمامكم فى لبنان مثالًا حيًّا.
خطاب الكراهية يجعل الجانى ضحية
مقالات -
نشر:
31/12/2013 2:48 ص
–
تحديث
31/12/2013 2:48 ص