لم تصرح السيدة فيروز بأنها تُحب حسن نصر الله، ولكن زياد هو الذى باح وأضاف أنه يخشى من عتابها، مثلما حدث فى السابق لتصريحات مماثلة عن خصوصيات للسيدة سربها زياد للإعلام لم تشأ لها الانتشار، وكأنه يؤكد حبها لنصر الله، ولكنه ينفى فقط رغبتها فى الإشهار. هل ثمة اتفاق بينهما لتخفيف ردود الفعل الغاضبة أم أنها الحقيقة؟
فيروز لا تتحدث مطلقا فى الأمور السياسية، فهى رمز توحد عليه كل اللبنانيين، غنت لبلدها «أحبك يا لبنان» وشدَت للقدس ومكة ودمشق والقاهرة والكويت، ولكنها أبدًا لم تغنّ لملك أو زعيم أو رئيس. التعاطى مع السياسة بإيقاعها المتغير ليس شأنا فيروزيا، بل هى فى الواقع لا تتحدث للإعلام حتى فى ما يتعلق بالفن، ولو راجعت عددًا من حواراتها النادرة فى الإذاعة المصرية ستكتشف أولًا أنها مقتضبة جدا فى إجابتها، ثانيا أن زوجها فى تلك السنوات عاصى الرحبانى كان كثيرا ما يكمل أو يوضح أو يضيف شيئا للإجابة، وهذا يعنى أنها كانت تشترط حضوره للموافقة على إجراء الحوار الذى لا تتجاوز عادة دائرته الموسيقى والغناء.
فيروز قبل ست سنوات ذهبت إلى دمشق وغنت فى دار الأوبرا التى أطلقوا عليها مثل كل شىء فى سوريا دار «الأسد». كانت فيروز قد غابت عن الغناء فى الشام عشرين عاما، ولأن كل شىء فى لبنان مغموس فى السياسة فلقد حاول البعض إضفاء لمسة سياسية على الزيارة، وتابعنا التناحر حول موقف فيروز من الغناء فى دار الأسد.
الفنان عندما تزداد دائرة معجبيه تصبح كل تفاصيله الخاصة شأنًا عاما، وكما أنه لا يتمتع بحريته فى التجول فى الشارع كمواطن عادى بدون أن يسلم من ملاحقة العيون فإنه أيضا مرصود، لو أنه قال هذا الرأى أو أعلن ذاك الموقف، المطلوب أن تتوافق مواقفه مع رغبات عشاقه برغم أنهم عادة متعددو المشارب والاتجاهات.
فيروز اختارت الحياد فى عز الحرب الطائفية التى عاشها لبنان منذ منتصف السبعينيات، وعلى مدى عشرين عاما، كان هو الرمز الذى لا يمس، بيروت قسموها إلى شطرين غربية وشرقية، وصار التصنيف للبنانى تبعًا للهوية الدينية أو السياسية، مسلم ومسيحى وشيعى وسنى ودورزى ومارونى كاثوليكى وشيوعى وقومى وبعثى وغيرها. فيروز كانت هى صمام الأمان التى توحد على بابها الفرقاء، لم يجرؤ أحد أن يحسبها على أى جبهة هنا أو هناك، وهو ما حرص عليه أيضا الأخوان رحبانى.
زياد يعبر عن جيل آخر، يبوح بمواقفه السياسية ليس فقط فى لقاءاته، ولكن بالكتابة الصحفية المباشرة، العام الماضى مثلا فى القاهرة كان البعض يطالب بمقاطعة حفلته الغنائية ولكن ما حدث على أرض الواقع هو أن زياد احتفى به المصريون، بل إن أحمد فؤاد نجم قبل أكثر من عامين وفى واحدة من تجلياته طالب بمنحه الجنسية المصرية، واكتشفنا فى الحوار الذى أجرته معه منى الشاذلى كم تتغلغل فى داخله مصر التى يحبها بتراثها وفنها وأغانيها وموسيقاها، حتى إن والده عاصى كان ينتقد بداياته فى التلحين، لأنه كان يقدمها على النهج المصرى، وبسبب عشقه لمصر اكتشفت مثلا أنه يعتبر الشيخ زكريا أحمد ليس مجرد موسيقار عربى كبير ولكنه واحد من أفراد عائلته وصورته تتصدر شقته، كم موسيقيا مصريا يتذكر الآن ألحان أو اسم الشيخ زكريا؟
هل تتأثر شعبية الفنان بمواقفه السياسية؟ التجربة أثبتت أن التأثير مؤقت، يحدث لدى الجمهور فى تقبله لهذا الفنان أو رفضه له لحظات غضب، ولكن إذا تحول فنه إلى بوق سياسى من المؤكد سيكون الثمن فادحا، وزياد مثلا لا يخفى تحيزه لبشار الأسد، لكنه لم، وأعتقد أيضا، لن يغنى له.
من يرفض نصر الله وممارسات «حزب الله» سيعتبر أن زياد يورط أمه أو يبالغ فى مشاعرها تجاه نصر الله، ومن يحب نصر الله سيعتبر أن زياد أعلن جزءًا من الحب ولم يقل الحب كله، وفى كل ذلك ستظل مكانة فيروز سامقة فى قلب كل عربى وإن كان الأمر لا يخلو من قدر من العتاب.