«إسمع أيها الإنسان.. وشاهد .. وتمعن.. أيها الموصوف بالعقل والحكمة.. الحياة معجزة.. ظهرت قبل 4 مليارات سنة.. ونحن بنى الإنسان.. لم يمض على وجودنا سوى 200 ألف سنة.. إنها حقبة قصيرة.. لكنها كانت كافية تماما لاختلال توازن أرضنا.. حتى باتت حياتنا على كوكبنا الأزرق مهددة بالزوال.. تلك هى الحكاية.. حكايتنا.. حكاية الأرض».. هكذا يبدأ الفيلم الوثائقى الجميل والمهم والمفيد والممتع والمفزع والمفجع فى نفس الوقت..HOME.. الفيلم يستعرض بمنتهى البساطة تاريخ الكوكب وكيف كان.. حتى يصل إلى ما آل إليه حال الكوكب وكيف قد أصبح الآن؟..
«فى البداية لم يكن كوكب الأرض سوى كتلة نارية ضخمة ومضطربة تكونت من الشمس وانفصلت عنها.. سحابة من جزيئات غبارية متصلة تسبح فى الفضاء شأنها شأن العديد من المجموعات المماثلة فى الكون.. لكن هنا حدثت المعجزة.. معجزة الحياة».. ولأننا كبنى الإنسان لا نعدو أن نكون مجرد جزء صغير جداً جداً جداً من تلك المعجزة.. لهذا لا ولم ولن نستطع إدراكها أو فهمها على الإطلاق.. ومحاولتنا لفهمها أشبه بمحاولة مسجون فى زنزانة حبس انفرادى تقع فى دهليز طويل ومعتم تحت الأرض تصطف على جانبيه الزنازين الأخرى الكثيرة التى تفصل بينها وبين فناء السجن وعنابره العادية عشرات الأبواب ذات المزاليج الحديدية الضخمة التى تفصل بينها وبين العالم الخارجى أسواراً عالية وشاهقة الارتفاع ومُزينة بكل تلك الأبراج من المراقبة التى تمتد حولها الصحراء القاحلة والشاسعة ومترامية الأطراف التى تفصل بين مبنى السجن وبين أقرب مدينة.. أهو بقى محاولة هذا المسجون معرفة ما يدور فى تلك المدينة هو أقرب شىء فى الشَبَه إلى محاولتنا إدراك وفهم تفاصيل معجزة الحياة!
البداية.. كوكب قاحل وضارب بجذوره فى عمق التاريخ السرمدى الذى يمتد إلى 4 مليارات سنة مضت.. كانت الأرض فى بدايتها أشبه بالبركان.. مجرد فرن كبير ومستدير يدور حول الشمس.. مجرد صخور منصهرة تثور.. ثم تجف.. وتتشقق.. ثم تخمد فترة من الزمان مُكَوِنةً ما يعرف اليوم باسم القشرة الأرضية.. تتصاعد فى نفس الوقت سحب دخان رقيقة من جوف الأرض خالية من الأكسجين وممتلئة بثانى أكسيد الكربون ومثقلة ببخار الماء.. يبدأ الماء فى الظهور على سطح الكوكب بشكل عشوائى.. ينظم السكريبت السماوى عشوائيته تلك عن طريق جعله يتبخر كنتيجة حتمية لارتفاع درجة حرارة الأرض.. بعدها يتكثف بخار الماء مكونا السحب.. فينهمر المطر وتظهر الأنهار لتنساب بين شرايين الأرض فتشكل ملامح الكوكب وتكَوِّن المحيطات وهنا يظهر بطل آخر من أبطال السكريبت.. «البكتريا وحيدة الخلية».. التى تتغذى فى الأساس على درجة الحرارة المنبعثة من جوف الأرض.. تنقسم تلك البكتريا الوحيدة والحزينة على نفسها فتصبح ملايين وتنتج أشكالا أخرى من الحياة فتظهر النباتات.. الآن أصبحت الدراما فى السكريبت مؤهلة للتصاعد أكثر وأكثر.. الآن.. نحن بصدد ما يمكننا أن نطلق عليه حياة.. حيث بدأت تلك النباتات فى امتصاص غذائها من طاقة الشمس.. تلك الطاقة مَكّنت النباتات من كسر جزيئات الماء الذى يصل إليها والحصول من تلك الجزيئات على الأكسجين.. ذلك البطل المهم والمؤثر واللى لو مش موجود الفيلم يبوظ.. هكذا ومنذ ذلك اليوم الذى خاضت فيه «نبتة» ما نعرفش نوعها بالظبط صراعها الوجودى مع جزىء ماء ثم التمكن من تكسيره والحصول منه على الأكسجين ثم إعادة إطلاقه فى الجو.. أصبح الهواء ممتلئا بالأكسجين.. ذلك الأكسجين الذى نتنفسه طوال الوقت بدون أن نعلم أن نسبة 70% من الأكسجين على سطح الأرض تأتينا فى الأساس من الطحالب الخضراء التى تغطى سطوح المحيطات.. وعندها.. قد تسرح فى السكريبت وفى مدى الارتباط الذى لا تتصوره منطقيا بين استمرار طحلب فى المحيط الهادى على قيد الحياة.. واستمرارك أنت نفسك على قيدها.. الآن.. أصبحت الدراما ملتبسة أكثر.. واكتسب بُعدها العلمى والمعرفى بُعداً آخر عجائبيا وروحانيا.. الآن.. أصبح عندنا ما يمكننا أن نطلق عليه لفظة حياة!
و لكن ماذا نعرف عن الحياة على سطح الأرض؟! كم عدد الكائنات التى نعرفها؟! هل نعرف عُشرها مثلا؟! أو ربما 1% منها؟! ماذا نعرف عن الأواصر والعلاقات التى تجمع تلك الكائنات ببعضها البعض؟! تساؤلات بدون إجابات سوف تفضى بك إلى تساؤلات أخرى بدون إجابات أيضا (راجع مثال المسجون فى أول الكتابة) وسوف يكون أفضل بكثير أن نسأل أنفسنا سؤالاً مثل ذلك السؤال.. الشجرة. تلك المعجزة الحية التى تتحدى الجاذبية الأرضية والتى بالرغم من أن جذورها تشدها إلى الأرض إلا أن جسدها نفسه يأبى أن يتجه سوى إلى السماء.. تلك الشجرة التى استغرقت الأرض 4 مليارات سنة لتنتجها لنا.. هل كان ينبغى علينا أن نقطعها؟! وهذا البترول فى باطن الأرض.. هل كان ينبغى علينا أن نستخرجه؟! وتلك الجبال الكثيرة.. هل كان ينبغى علينا أن نفجرها؟! وتلك البيوت وناطحات السحاب.. هل كان ينبغى علينا أن نبنيها؟! عموما.. وبصرف النظر عن هل كان ينبغى علينا أن نفعل ذلك أو هل كان ما ينبغيش.. المهم.. إننا فعلناه بالفعل.. فعلناه وخلاص.. اشترينا طوال تاريخنا البشرى المحدودة بالنسبة لتاريخ الكوكب بضاعة بالعبيط.. والآن جاء وقت الحساب وموعد تسديد الفاتورة!