فى خطوة واسعة وسريعة وخطرة انتقل القتل إلى المدن. وهنا سيتدفق الدم أنهارًا. لكن القتل لن يتوقف فى الصحراء. ولا بد أن نفرق ما بين الاغتيالات التى تتم وسوف تتم، وما بين التفجيرات التى تتم وسوف تتم. الاغتيالات كما هو واضح لتقفيل ملفات قديمة إعلانا برحيل نظام دولة قديم ويحل محله نظام دولة جديد، ومعه يتم التخلص من العملاء القدامى للبدء من الصفر. وهى ليست سابقة جديدة، بل هى موجودة فى كل أنحاء العالم وهى ليست جديدة على مصر خلال الستين عاما الماضية. أما الانفجارات فهى شىء آخر تماما و ما يقوم به الجيش فى المنطقة الشرقية عمل بطولى لا مثيل له وسينتقل إلى المنطقة الغربية على الحدود الليبية قريبا وهى منطقة مفتوحة على حدود دولة تعانى من انقسام وانشقاق وحرب مخابرات دولية شرسة، وتظهر دولة قطر وهى تلعب معصوبة العينين مع الأمريكان مأمورة الحركة وتظن أن حركة التاريخ والجغرافيا ستجعل لها مكانا مرموقا بين مصاف الدول الكبرى ولم تتعلم من التاريخ ومن التجارب السابقة لدول استنزف الأمريكان أموالها فى حروب وصراعات لا ناقة لها فيها ولا جمل ثم تركتها على قارعة الطريق فريسة لأول عابر سبيل يفترسها. ستة أشهر طلبها أمير قطر الجديد ليحسن الأوضاع مع مصر ويقوم بتغيير سياسته تجاه المنطقة بوجه عام وتجاه مصر بوجه خاص، المهلة سببها، كما قال لمبعوث مصر، كى لا يقال إنه قام بانقلاب على سياسة أبيه مما يثبت أنه قام بانقلاب فعلى فى الحكم. المهلة التى طلبها أمير قطر قد تكون للتغيير أو للتخدير. إعطاء نفسه وقتًا و مهلة حتى يرى إلى أين تسير الأمور فى المنطقة وإلى أين تتجه الطرق، وتنتهى كما أنها مهلة يمكن من خلالها الانتهاء من مخطط خطير يقوم بها القطريون بتوريد الأسلحة عبر المنطقة الغربية إلى عناصر من القاعدة والإخوان والموالين لإرهاق وتشتيت الجيش المصرى. القطريون افتتحوا فى الأيام الماضية مكتبا لحركة طالبان فى الدوحة، ومنها ستنطلق الخطة الجديدة وهى تجميع كل عناصر القاعدة من المنطقة لترحيلها إلى منطقة أخرى تماما. وهى منطقة القوقاز. القلب الموجوع فى جسد الدولة الروسية والمطلوب إرهاقها واستنزافها تمامًا كما يتم مع مصر وهى الدولة المرهقة المستنزفة المشتتة المشدودة الأعصاب. الضغط الخارجى على مصر أكبر مما نتخيل وما يزيد المأساة تلك العقول التى تدير البلاد، فالصراع أخطر من أن يترك لأجهزة الدولة وحدها فهذه الأجهزة مهما بلغت كفاءتها وهى ليست كذلك بالطبع من ميراث مبارك البليد، هى فى آخر الأمر مؤسسات بيروقراطية لا تحسن صنع الأفكار القادرة على رسم السياسات، ثم إن الأجهزة الأمنية والعسكرية تملك أهلية استعمال السلاح، لكن السلاح فشل فى محاربة الإرهاب وإن خاض تجارب مريرة وشريفة دافع وقتها عن الأمة فى حين أن قوة الأفكار هى عدة الحرب الجديدة على الإرهاب وعلى الدولة أن تستعين بكل العقول المبتكرة وتنفذ مقولة الرئيس الأمريكى ترومان، الشهيرة: هؤلاء الناس ذو الشعر المنكوش يستحسن أن يكونوا فى الداخل وتتجه أحجارهم إلى الخارج بدلا من أن يكونوا فى الخارج وتتجه أحجارهم إلى الداخل، تلك الأفكار هى سلاحنا وليست البندقية، وهو الخطأ الذى وقعت فيه الدولة طوال تاريخها فى الحرب على الإرهاب.
انتقال القتل إلى المدن باستهداف الجيش والشرطة رجالا ومنشآت له خطر داهم، فممارسة القتل خطر على الذين يتعرضون لنيرانه، وهى أخطر فى المدى الطويل على الذين يمارسونها فعندما يتواصل سفك الدم تموت الأعصاب وحين تموت الأعصاب يموت الضمير وعندما يموت الضمير تموت الثقافة، وهنا يتساوى الإنسان فى المدن والحضر إلى الحيوان فى الغابة تاركًا روحه وعقله فى أيادى قاتله. إننا أمام لحظة فارقة فى تاريخنا المعاصر لا مكان للهواة أو الخونة أو المرتزقة أو حتى رجال نظام سابق ترك مصر على حافة الطريق خالية من العقول ومن الرجال فى حين أنها اعتمدت على عقول الموالين من عملاء الأمن والحزب ينفذون أوامر منتظرين المكافآت بعضها دفع مقدما وقد وصل حد العمالة والمساومة إلى أبعد مما نتخيل، فقد رأيت إحدى الأوراق التى خرجت من مبنى أمن الدولة بعد اقتحامه ورقة مكتوبة من دكتور ومفكر وكاتب وأستاذ جامعة يعاتب الجهاز برسالة محتواها نصًّا «لو كنت مخلصا إلى الله كما كنت مخلصا إلى أمن الدولة لضمنت الجنة بغير حساب».
الرجل عاتِبٌ لأنه لم يتقلد منصبًا طلبه أكثر من مرة. وهو المخلص. تلك كانت عقول النظام فسقط فى ظرف أيام. وهم الآن يعلنون عن أنفسهم كمنقذى البلاد من الأخطار التى تتعرض لها، ومما يثير الدهشة أن تلك الوجوه التى كانت معلقة صورهم فى ميدان التحرير تعود الآن وتدعى أن من وضع صورهم هم الإخوان. والخوف أن يأتى يوم مع ازدياد الكره للإخوان ولثورة يناير أن نقرأ من يكتب أن من صنع مؤامرة يناير، لأنها لم تكن ثورة، هم الإخوان. الأوراق اختلطت وضاعت البوصلة. الشعب تائه لتعرضه اليومى لعاصفة من الأفكار والصور لا تقنعه ففقد الثقة وفى طريقه لفقدان الحماس والبحث عن منقذ وعن طريق، فاستراتيجيات الدول التى تحترم نفسها وعالمها وشعبها لا تعرف سياسيا يستيقظ من نومه بوحى تنزّل عليه يطلب إليه أن يفاجئ شعبه بما لم يخطر على بال. للدولة ولمنقذها أمور يترتب عليها دواعى مصلحة وضرورات أمن وطموح شعب لا بد من التجديد فى الأسلوب وليس فى الهدف.