أقتبس، اليوم، فقرات من المقالة التى نشرتها فى «التحرير» يوم 2 سبتمبر الماضى، والتى تنبّأت فيها بهذه الموجة الجبانة والخسيسة من العنف والإرهاب التى تضرب بها فلول جماعة «الإخوان» وأذنابهم وأنصارهم البلاد والعباد.
«موجات العنف والإرهاب المتنقل، أو الجوال، هى أخطر تحدٍّ أمنى واجتماعى يواجه مصر الآن، بعد سقوط أركان دولة رابعة العدوية، وانفضاض التحالف الذى كان يدعم تنظيم الإخوان، عقب فض اعتصامى رابعة والنهضة.
تلك الموجات يُخطط لها وينفّذها عدد محدود من الأفراد يتوزّعون فى خلايا صغيرة، تربّت ونمت فى حضن الاعتصامَين، وتغذّت على حملات الشحن الحماسى والتحريضى ضد الدولة وأركانها (الجيش - الشرطة - الإعلام - القضاء)، وبث أفكار الكراهية والانتقام من القوى المعارضة، والتى كان ينفثها من فوق «منصة رابعة» قادة تنظيم الإخوان وحلفاؤهم، وبعضهم -كما نعلم- مجرمون ومسجونون جنائيون سابقون أفرج عنهم محمد مرسى بقرارات عفو رئاسى.
هؤلاء الأفراد الذين ينفّذون عمليات العنف المتجوّل الآن، هم ضحايا عمليات (غسيل الأدمغة) تلك، ولا يزال بعضهم غير مصدق ويرفض الاعتراف بزوال (دولة رابعة)، ويحاول الانتقام من الذين أسقطوها (فى 30 يونيو)، وهم دائرة واسعة تضم إلى جانب الجيش والشرطة معظم فئات وتيارات وطوائف الشعب المصرى، وهذا (البعض) بدأ بالفعل فى تكوين خلايا تسعى للانتقام، وبالتالى فكل فئات الشعب هى بالنسبة إليهم هدف مشروع.
الأسابيع الستة التى قضاها المعتصمون فى رابعة والنهضة، عاشوا خلالها فى (جيتو إخوانى) عزلهم بشكل كامل عن العالم الخارجى، الذى تم تصويره على أنه معادٍ بشكل كامل ليس لهم فقط، وإنما للمشروع الإسلامى نفسه، وبالتالى تكرّس بينهم وتجذّر فيهم الشعور بالاضطهاد من جانب كل مَن هو خارج الاعتصام، مما ولّد حالة من الكراهية الشديدة للمجتمع خارج (دولة رابعة). هؤلاء مَن أسميهم (العائدون من رابعة)، وهم الذين يواجهون الشعب المصرى الآن ويواجههم، تمامًا مثلهم كمثل تنظيمات (العائدون من أفغانستان)، و(العائدون من ألبانيا)، و(العائدون من السودان)، (التى تشكّلت من أعضاء الجماعة الإسلامية وتنظيم الجهاد، وبعضهم حلفاء الإخوان الآن)، وهى التنظيمات التى عرفها الشعب المصرى طوال سنوات التسعينيات من القرن العشرين الماضى، ويتذكر بمرارة عملياتها الإجرامية ضد أفراد الشرطة، وأيضًا ضد المدنيين الأبرياء فى أحياء القاهرة وعدة محافظات مصرية.
تساقط رؤوس الفتنة والإجرام من قيادات (الإخوان) المحرضة والمخططة، لن يجعل موجة العنف تلك تتوقف قريبًا، بل إن سقوطهم سيزيد من التخبط والانهيار النفسى لأعضاء الخلايا المتجولة، فيلجؤون إلى عمليات انتقام عشوائية ضد أبرياء لا ضد الجيش والشرطة فقط، والمؤكد أن بعضهم يخطط الآن لتنفيذ عمليات اغتيال لرموز سياسية وإعلامية ووطنية معارضة، خصوصًا بعد فشل المسيرات والتظاهرات الجماعية الحاشدة التى كان (الإخوان) يعولون عليها كورقة تفاوض مع الحكم الحالى، للضغط من أجل إنقاذ رقبة القيادات ولملمة ما تبقّى من أشلاء التنظيم الإخوانى.
عمليات العنف المتنقل، أو الجوال، هى إذن آخر ما تملكه شراذم (الإخوان) وحلفائهم، التى تشبّعت بإخلاص بمشاعر الكراهية والغل تجاه المجتمع كله، خصوصًا أفراد الجيش والشرطة، طوال فترة إقامتهم فى الاعتصام الذى قيل عنه إنه كان سلميًّا. وتحذيرنا هنا من تلك الشراذم، ليس لبث الخوف منها، ولكن لدق إنذار اليقظة والحذر من (العائدون من رابعة)».
واليوم، أضيف على ذلك المقال، الذى دقّ مبكرًا «جرس إنذار» من الإجرام الجوال، أن الحوادث الإرهابية الكبيرة، مثل تفجير مديرية أمن الدقهلية أو استهداف مقر المخابرات الحربية فى الشرقية والأعمال الموجهة ضد قوات الجيش والشرطة فى سيناء، ليست هى الرسالة الوحيدة التى يُراد بها إرهاب المواطنين ودفعهم لفقدان الثقة فى الدولة ومسؤوليها وأجهزتها الأمنية، لكن الرسالة الأخطر هى التى يتم توجيهها من خلال عمليات العنف الصغيرة أو المحدودة، مثل زرع قنبلة فى أوتوبيس نقل عام، أو تثبيتها على موتوسيكل مركون، أو إخفائها فى صندوق قمامة أو لوحة إعلانية فى شارع مكتظ بالمارة، أو أى مكان آخر يمكن إخفاء الرعب غير المتوقع فيه، هو الهدف الأهم لدى عصابات الإرهاب والإجرام، الذى يسعون من ورائه إلى إثارة الفزع بين الناس، وجعلهم يتوقعون الموت فى أى لحظة وفى أى مكان.
إرهاب الإخوان الجوال، يسعى لجعل الناس يخشون من مجرد النزول من بيوتهم، ولذلك أتوقّع مجددًا تصاعد عملياته كلما اقترب موعد الاستفتاء، أو سائر الاستحقاقات الانتخابية الأخرى التى تقتضيها خارطة الطريق، لمنعهم من المشاركة فيها، وهذا هو الهدف الأسمى لهذا الإرهاب الأسود، الذى لا يفوقه سوادًا إلا حلكة سواد قلوبهم.