كنا فى سهرة حضرها نجوم لامعون، بعضهم ساسة من عصر حسنى مبارك، الذين لم تطلهم قضايا فساد ولا محاكمات، ربما اتهامات بالنفاق واللعب على الحبال، وما زال وجودهم محسوسًا، إعلاميًّا وعالميًّا، وكان من المستحيل أن يمر الحديث دون أن يمسك بتلابيب «قرار» مجلس الوزراء بتصنيف تنظيم الإخوان تنظيم إرهابى، وهو قرار لم يعجبهم إلى درجة التمادى فى الهجوم عليه هجومًا قاسيًّا مدهشًا، معللين موقفهم بأن القرار هو مجرد حلقة من حلقات مسلسل العنف المتبادل المسال فيه الدماء المصرية، خصوصًا وقد لاحت فى الأفق بوادر اقتتال داخلى، كشفت عنه عملية تفجير مديرية أمن الدقهلية، وهى عملية منظمة تشى بقدر كبير من الاحتراف الإجرامى.
وتبنوا فكرة ضرورة الدخول فى حوار مع الإخوان لإنهاء حالة الاحتراب المشتعلة بأسرع وقت ممكن، ولا مفر منه مهما طال الوقت، لأن الحل الأمنى منفردًا لن يوقف أعمال العنف مهما كانت صرامته، والمخرج السياسى هو الذى بوابة البلاد للهروب من النفق المحشورة فيه حاليًّا.
ثم انهال واحد من الحاضرين على «إعلاميين» بالوصف والرسم والاسم تقطيعًا فنيًّا باتهامات لها نصل ألف سيف، وروى عنهم خبايا كثيرة خاصة وعامة، وكيف كانوا على علاقات «عاطفية» سرية بنظام مبارك ورجاله ونالوا كثيرًا من عطاياه، وكان المتحدث برلمانيًّا سابقًا لصيقًا بشخصيات نافذة فى المطبخ السياسى الخاص لمبارك، وقال: هؤلاء الإعلاميون هم الآن الذين يؤججون نيران العنف، ولا يعنيهم أن تشتعل حرب أهلية، فقط يدافعون عن مكاسبهم ويغسلون سمعتهم على حساب الوطن بالصوت العالى والغوغائية.
وأضاف: فى عز الصراع بين نظام مبارك والإخوان لم تنقطع خيوط الاتصال والمفاوضات بين الطرفين، بين ود ظاهرى وعداوة مبطنة، وكان الرئيس مبارك لا يقطع الحوار معهم ويدعه لأجهزة المعلومات وبعض الساسة والشخصيات المعروفة، وكادت تحدث مصالحة شاملة بعد أن بايعت الجماعة جمال مبارك وريثًا، وأرسلت رسالة شفهية بهذا المعنى إلى الرئاسة، والشهود أحياء يرزقون، وأبدى الرئيس مبارك موافقة مبدئية، لكن اللواء عمر سليمان رئيس جهاز المخابرات العامة الأسبق رفض المصالحة هو واللواء حبيب العادلى وزير الداخلية وقتها، فأوقفها مبارك دون أن تنقطع الاتصالات، ولو من بعيد لبعيد.
ثم تساءل: هل يعقل أن يكون نظام مبارك أكثر ذكاءً وحنكةً فى التعامل مع الجماعة من النظام الحالى؟! كان مبارك يرخى لهم الحبل وقتما يشاء ويجعلهم يشعرون بالاطمئنان ثم يشده عليهم وقتما يشاء ويطاردهم، يدعهم يدخلون مجلس الشعب حتى وصلوا إلى ٨٨ نائبًا، ثم يغلق عليهم الباب فلا يدخل منهم أحد، يسمح لهم بشعاراتهم الدينية أحيانًا، ثم يقبض عليهم ويحبسهم بها، وكانوا فى غاية الامتنان، وقد بكى سعد الكتاتنى يوم وفاة حفيد الرئيس بكاءً مرًا إلى درجة النهنهة، وحين سأله أحدهم: أنت عامل فى نفسك كده ليه؟! أجاب: الرجل الكبير لا يستحق أن يحدث له هذا المصاب.
وتدخل عضو مجلس شورى سابق قائلًا: السياسة لا تعرف العداوة المطلقة، ويمكن لعدد من رجال الدولة الذين كانوا على علاقات جيدة بالإخوان ويعرفونهم تمام المعرفة أن يتوسطوا ويطرحوا أفكارًا قابلة للتنفيذ على أرض الواقع.
وقالت شخصية عامة شهيرة: يمكن السماح لهم بالمشاركة فى الانتخابات والتعامل معهم جزءًا من النظام، ويكونون شركاء فى الحكم، فالمعارضة جزء من الحكم، وليست خارجة عنه، والحكم غير السلطة.
رفعت يدى معترضًا قائلًا: سياسة مبارك مع الإخوان هى التى قادتنا إلى هذه الكارثة، كان من المفترض أن يسود القانون وليست الألاعيب السياسية والمؤامرات، فترك الجماعة تعمل دون شكل قانونى ودون خضوع لنظام الدولة، وعندما وصلوا إلى السلطة أحسوا أنهم أكبر من الدولة ويمكن تطويعها لما يريدون.
ثم سألت: هل يقبل الإخوان مصالحة تنتهى بهم إلى المعارضة فى ظل رفض شعبى كبير؟! هم مصرون على العودة إلى صدارة المشهد السياسى باعتبارهم أصحاب سلطة سابقين، ولن يقبلوا ذلك، وأتصور أن الفرصة كانت متاحة لهذا النوع من التوافق عقب صدور خريطة الطريق إلى ما قبل فض اعتصامى رابعة والنهضة، وكانت أمامهم فرصة جيدة، لكنهم تصوروا أن الأزمة التى أحاطت بهم مجرد مسألة وقت وسوف يعودون بعد أيام أو أسابيع إلى سدة الحكم أشد قوة مما كانوا، وهذا الاعتقاد وراء رفضهم مقترحات أمريكية وأوروبية كانت مقبولة من الدولة المصرية، وهى مقترحات تسمح لهم بالوجود القانونى والمشاركة فى العملية السياسية، وظنوا أن الدولة المصرية سوف تضعف أمام الضغوط الخارجية المنظمة.
فات أوان المصالحة، وقد يكون الأمن حلًا مؤقتًا لردع العنف الحالى، لكن لا بديل عن حل سياسى اجتماعى مستقبلًا.