العبد لله يؤمن أيمانًا عميقًا بأن قائمة الحقوق الطبيعية للإنسان طويلة جدًّا ولا أول لها ولا آخر، كما أن لا حدود تتوقف عندها إلا عندما تمس أو تهدر حقوقًا للبشر الآخرين.. انطلاقًا من هذا الإيمان فإنه يسعدنى ويشرّفنى أن أعترف لحضرتك علنًا الآن بأننى ربما كنت من قليلين فى هذه الدنيا الواسعة الذين يفهمون ويقر فى قلوبهم أن من حق أى شخص الزهو والاعتزاز بجهله وتفاهته وغباوته، وأنه اختار التخلف والتأخر بمحض إرادته الحرة ومن دون إكراه ولا بطيخ، كما أن من حق هذا الغبى الجاهل المتخلف أن يعاند ويتحدّى الفطرة الإنسانية السليمة فيأنف وينفر من الخير ويستعزب الشر ويفخر بالخسة والندالة ويسبح بهمة ونشاط فى أوحال الجلافة والفظاظة.
إذن لا تثريب (مع الاعتذار للصديق الذى يحتكر «التثريب» الذى هو شىء مختلف عن «التسريب») على كائن بهذه الشاكلة المنحرفة المشوهة فى الروح والعقل.. لماذا؟ لأنه باختصار، حر ما لم يضر ويتحرّك عابرًا من حدود الشر الكامن وسوء الطبع وانحطاط الأخلاق إلى المجال العام، حيث يستطيع إلحاق الأذى بغيره من خلق الله.. هنا يحق لنا بل من واجبنا أن نتصدّى له ونقفشه من قفاه فورًا ونجرجره مخفورًا إلى ساحة العدالة حتى ينال جزاء شروره النشطة.
أقول قولى هذا كله على سبيل المقدمة، لكى أنبّه إلى خطورة ظاهرة «الهرتلة» العمومية التى نتلقاها وتلوّث مسامعنا هذه الأيام بكثافة مرعبة ويبثها علينا قطيع متنوع من «المهرتلين الجدد» بعضهم غبى وهايف وجاهل عصامى يسهر على غباوته وضحالته بالرعاية والعناية طول الوقت، ولكن البعض الآخر يتميز بمزيج نادر من الشر وسوء التربية والتعليم معًا.
والحقيقة أن هؤلاء المهرتلين ما كانوا يستحقون الاهتمام ولا مجرد الذكر (ولو بالسب والشتم) لولا أن هرتلاتهم باتت خطرًا داهمًا لما تحمله من عدوان وحشى على عقول ومشاعر كثير من الناس، بل إن بعضها فيه تجريح وتشويه قاسٍ وغليظ لمفردات اللغة ومعانيها، ويكفى فى هذا السياق أن أنتقى من فيض الكلام الملوث الشائع حاليًّا «هرتلتين» اثنتين تصلحان عينة نموذجية تتوافر فيها كل عناصر الخطر والخبل، أولاهما تلك العبارة التى يختم بها كل مهرتل من دول هلفطاته إذا كان موضوع الكلام هو عربدات وإجرام عصابة الشر الفاشية الإخوانية، إذ تجده فجأة يقول لك «بس معلهش.. هما مصريين برضه»!!
طيب، هل لهذا الكلام الفارغ أى معنى؟! نعم، معناه تسويغ إجرام العصابة وتبريره بشيئين ينافسان بعضهما فى الجنان الرسمى، الشىء الأول هو «معلهش» محصلش حاجة يعنى لما يكون هناك مصريين مجرمين وإرهابيين.. والثانى أن تمتع أى شخص بالجنسية المصرية يعفيه فورًا من الحساب والعقاب ولو كان قاتلًا أو نشّالًا أو حرامى غسيل، وإذا ضبط هذا الشخص متلبسًا بارتكاب أى جريمة فإنه ما أن يبرز بطاقة رقمه القومى المصرى حتى يتعين تركه حرًّا طليقًا يعربد ويفعل ما يشاء ببنى جلدته المصريين!!
تبقى العبارة الثانية التى أكيد حضرتك لاحظت أن أغلب قطيع «المهرتلين» يفرطون فى استخدامها هذه الأيام، بينما هم يعلقون على قرار إعلان جماعة الشر الإخوانية عصابة إرهابية.. فأما منطوق هذه العبارة فهو: أن إعلان الجماعة إرهابية لن يقلل أو يضع حدًّا لحوادث العنف والإرهاب.
والمعنى الفاضح الناضح من العبارة تلك: أن وصف الحرامى بأنه حرامى لن يمنعه من السرقة، تمامًا كما أن دمغ القاتل بأنه قاتل لن يردعه عن القتل، إذن الحل هو تدليع عصابة الشر الإرهابية وإطلاق اسم «الأم تريزة» أو «أبلة فضيلة» عليها، وإمعانًا فى الدلع ممكن كمان نجيبلها شُكولاته بعد كل جريمة إرهاب!!
يشفى الكلاب ويضركم.. آمين يا رب.