تسجيل نادر وأظنّه وحيدًا جمع فى السبعينيات بين فريد الأطرش وعبد الحليم حافظ فى التليفزيون اللبنانى قبل رحيل فريد بعام أو اثنين، تستطيع من خلاله أن تكتشف الفارق الشخصى بين فريد وحليم، الأول طفل برىء «اللى فى قلبه على لسانه»، «والثانى رجل محنك اللى فى قلبه يمر أولًا إلى عقله قبل أن ينطق به لسانه»، فهو يعرف متى يمرر المعلومة بخفة ظل، حتى لا يحسبها عليه أحد، راجع مثلًا عندما قال له فريد عاتبًا وغاضبًا «أنت قلت إنى قد أبوك»، على الفور قال له عبد الحليم ساخرًا «ما تزعلش يا سيدى أنت قد جدى»!!
فريد قلب وحليم عقل، يكفى أنه أحال المعركة والتنافس المعروف بينه وفريد إلى صراع بين فريد وعبد الوهاب، وهذا ما يرضى فى الحقيقة فريد، ويبعد حليم تمامًا عن شظايا المعركة، كان فريد لديه قناعة أن عبد الوهاب هو عدوه الرئيسى، فهو لم يكتفِ فقط بمنع حليم من غناء ألحانه، بل هو الذى أوعز إلى أم كلثوم بوقف كل مشروعات اللقاء بينهما، ولهذا كان فريد فى كل أحاديثه دائم الثناء على ألحان السنباطى لأم كلثوم، متجاهلًا أن عبد الوهاب له أيضًا حضور مميز على حنجرتها.
غدًا، تحل ذكرى فريد الأطرش رقم 39، وكالعادة ستمر بلا احتفال ولا حفاوة يستحقها عن جدارة، فهو صاحب التاريخ الغنائى الحافل والمرصع بعشرات من الأغنيات والأوبريتات والأفلام التى صارت جزءًا من معالم طريقنا الغنائى الحديث، فريد ليس مجرد فنان جاء ليبدع أعمالًا فنية، ثم يمضى تاركًا وراءه إنجازه الفنى، إنه أحد البنائين فى دنيا النغم العربى، حيث إنه واكب العمالقة عبد الوهاب والسنباطى والقصبجى وزكريا، وغيرهم من أساطين الموسيقى، وكانت له إضافاته وومضاته، ومع الجيل التالى لهم، الموجى والطويل وبليغ، ظل لفريد جملته الموسيقية الحميمة والدافئة والعصرية.
لماذا لا يحظى فريد الأطرش فى ذكراه باحتفال يستحقه تاريخه؟! عشاق فريد وهم كُثر، لديهم تفسيران، وأنا لا أوافق بالمناسبة على أى منهما، الأول أنه ليس مصرى المولد، فهو من أبناء جبل السويداء فى سوريا من سلالة أمراء الجبل معقل الدروز.. الثانى امتداد للأول وهو أنه درزى المذهب، وهم مسلمون بطبيعة خاصة وأذان مختلف وكتاب غير قابل للطباعة، ولكن يتم تداوله عن طريق تحديث النسخة، بإعادة كتابتها بخط اليد، لا أدّعى أن لدىّ معلومات عديدة عن الدرزية، لأن لها طقوسها الباطنية، هذا الجبل كثيرًا ما أنجب أصواتًا غنائية لمعت فى مصر بعد فريد وشقيقته أسمهان وبعدها فهد بلان، ثم أخيرًا مجد القاسم .
لا أتصور أن الناس تفتش فى المذهب أو الديانة قبل أن تقول «الله الله» لمن يغنى بإبداع «يا ليل ياعين»، كما أن فريد لم يحب فقط مصر، لأنه يمارس فيها الغناء والتمثيل، ولكنه أراد أن تُصبح هى مستقره الأخير، وكتب فى وصيته أن يدفن على أرضها، ومراسم الجنازة التى أُقيمت فى 26 ديسمبر 1974 تمت وفقًا للطقوس السنية، كل من دخل أرض مصر وأسهم بالغناء أو التمثيل أو الكتابة يتمتع بكل الحقوق لا جنس ولا ديانة ولا عرق ولا لون لا شىء سوى الإبداع الصادق، ما عدا ذلك قبض الريح!!
لماذا إذن لا يحظى فريد بما يناله مثلًا عبد الحليم حافظ الذى يُقام له فى يوم ذكرى رحيله 30 مارس من كل عام، مولد ضخم فى كل أجهزة الإعلام، أطلقوا عليه اسم «مولد سيدى عبد الحليم»، أغانى وأفلام عبد الحليم تظل لمدة أسبوع على أقل تقدير، تشغل أهم المساحات، كما أن عشرات من البرامج تتسابق لتقديم لمحات من حياته، الحقيقة أن كل الإذاعات والفضائيات عندما تحل ذكراه نجدها مشغولة بالاحتفال بنهاية عام وبداية عام، حيث تقدّم حصاد 2013، وفى نفس الوقت تقرأ طالع 2014، ولهذا لا تتوقف أمام ذكراه بما تستحق، ليس تجاهلًا، ولكنها تتحرك وفقًا لرغبات الناس أو لما تعتقد أنه يعبر عن تلك الرغبات، الحل الأمثل هو أن نحتفل بعيد ميلاد فريد الأطرش من كل عام وهو يوافق 21 أبريل.. يأتى ميلاده مع أعياد الربيع الذى قدم له أجمل أغانيه، ما رأيكم أننا يوم 21 أبريل القادم نحتفل معًا بعيد ميلاد فريد رقم «104»، وساعتها سوف نجد أن مولد سيدى «فريد الأطرش» ينافس بقوة مولد سيدى «عبد الحليم حافظ»!!