أتذكر قبل فيلم «ضربة شمس» ببضع سنوات أول نقد لأول فيلم لى كتبه الراحل سامى السلامونى عن فيلمى القصير «البطيخة» «١٩٧٢» تحت عنوان: «مصرى حتى النخاع»، وكم افتخرت به لدرجة أنى وضعته فى برواز وعلقته على الحائط فى أثناء أيامى الأخيرة فى لندن. اليوم وأنا فى العقد السابع من عمرى أحصل أخيرا على الجنسية المصرية، فكم كنت أتمنى أن يكون سامى لا يزال معنا لأذكره بمقولته ونحتفل معا، وكم كنت أقشعر كلما سمعت أم كلثوم تغنى «مصر التى فى خاطرى».. أتذكر صوتها يدوى صاعدا عبر منور إحدى العمائر وأنا راقد على سرير بجوار النافذة التى تطل عليه، أستمع إليها تُغرد فى حفلة من حفلاتها الشهرية بسينما قصر النيل، حيث كنت أقيم عند خالتى التى حولت جزءا من سطح العمارة فوق السينما إلى حجرات منفصلة تطوقها حديقة صغيرة.
فى المدرسة وفى حصة التعبير الشفهى كانت أيادى الفصل ترتفع والأصوات تنادى «خان.. خان يا بيه» ويستدعينى الأستاذ لأقف نافشا ريشى وأبدأ فى سرد قصة من تأليفى الفورى تدريجيا تجذب انتباه الجميع، وهم يسرحون معى فى خيالى، فكانت قصصى شبه أفلام التشويق قبل أن أكتشف هيتشكوك وأقع فى غرام سينما أصبحت اليوم جواز سفر حصولى على الجنسية بسجل أفلام عبرت عن عالمى المصرى حتى النخاع، بدءا من حامل البطيخة إلى شمس بكاميرته، وفارس سواق البيجو، أو حريف الكرة الشراب، أو اللى راح يبيع كل اللى حيلته عشان يسدد اللى عليه، وشاكر اللى رجع من الغربة غريب فى بلده، وعطية اللى لقى الجنة فى الريف، وعُمر اللى قابل عُمر تانى فى مشواره، ولّا هند وكاميليا اللى جمعتهما أحلام، وصلاح الفلاح اللى جاب حقه بالكاراتيه، وهشام الضابط اللى ماعرفش يتراجع، ونوال لقت الخلاص فى صينية مسقعة، وأميرة لقت الدنيا سوبرماركت كبير، والبنات اشتغلوا وسط البلد، ونجوى والبحث عن المدرسة اللى علمتها الحب، وأخيرا هيام بتاعة المصنع اللى عرفت تحرر نفسها. كل هذه الشخصيات والأفلام تنفست ومهدت الطريق إلى الجنسية ولها الفضل فى مصريتى. بعد كل سفرية وأنا أقف أمام ضابط الجوازات يفحص جواز سفرى الأجنبى وينظر إلىّ متسائلا «عندك جواز سفر مصرى» فبعد لحظة صمت الجواب «لأ». المرة الجاية سأظهر جواز سفر مصريا ولن يسألنى مرة أخرى.