(1)
لم تفهموا زياد!
لقد وصف المتنبى، ذاتَ قصيدةٍ، الموتَ بأنه شافٍ، أى فيه الشفا! وبأنه كذلك أمنية، وأن الزمن المايل يجعل الإنسان الحر يضطر للاكتفاء والاطمئنان للعدو المداهن، مش بمزاجه، وإنما لأن الصديق الحقيقى يوك، مافيش، بحْ! هل هناك ما هو أفدح من هذا؟
كفى بكَ داءً أن ترى الموت شافيا
وحسْب المنايا أن يكنّ أمانيا
تمنّيتَها لمّا تمنّيْتَ أن ترى
صديقًا فأعْيا، أو عدوًّا مُداجيا
زياد، العبقرى المجنون، يرفض منذ ربع قرن، منذ سقوط حائط برلين تحديدًا، أن يتخلى عن جذريته. يرفض أن يسمى الأشياء بغير ما يعرف من أسماء. صحيح أن مياهًا كثيرة جرت تحت الجسر، وصحيح أيضًا أن زياد يعى ذلك تمامًا، فهو مجنون (عبقرى) وليس أبله! كلامه نفسه الذى تقيمون الدنيا عليه وتقعدونها بسببه، يدل بكل وضوح على أنه أكثر إدراكًا منكم للواقع، وأكثر جذرية. فكما قال أبو الطيب (كفى بك داءً) يقول زياد كفى بك داءً أن يكون زعيم طائفة هو الوحيد المستحق للمحبة. كفى بالوضع كفرًا أن لا يتمسك بثابت المقاومة غير ديكتاتور أو ولىّ فقيه. كفى بالحقيقة ميوعة ألّا تكون سوى حكمة البراغماتيين. كفى بالدولة الديمقراطية الرأسمالية بؤسًا، حتى فى الغرب، خصوصًا فى الغرب، ألا تأتيها معارضة قوية إلا من يمين اليمين!
لكن زياد عندما غنّى، فقد كان غناؤه للـ(جنوب)، وعندما انتقد فقد انتقد (ياللى بيصلوا الأحد وياللى بيصلوا الجمعة)، وحينما سخر فقد كانت سخريته من زمان الطائفية الذى (طق فىّ) و(طق فيك).
أجل، فيروز تحب نصر الله، من خيبتكم وليس من حلاوته!
■ ■ ■
(2)
براءة لا عفو.. وعفو لا براءة
يقولون إن الثلاثى أحمد دومة وأحمد ماهر ومحمد عادل، الذين حُكم عليهم بالسجن ثلاث سنوات وغرامة 50 ألف جنيه، وربما يلحق بهم بعد أيام الناشطان علاء عبد الفتاح وأخته منى سيف، سيُنعم عليهم بعفو قد يتصادف بالصدفة المحضة لوحده خالص مع قرب توجه البشر لصناديق الاقتراع على الاستفتاء.
أولًا، كنت من المنتقدين بشدة وصراحة وعلانية لكيفية إدارة شباب الثورة للحيز الضيق الذى تبقى لهم بعد مارس 2011.
ثانيًا، أزعم أننى أول مَن حذّرت قبل ثلاثين شهرًا من الآن على الأقل من أن مصائر هؤلاء الشبان قد لا تختلف كثيرًا عن مصائر مارا ودانتون وروبسبير، وسيكافئهم شعب مصر بتعليقهم فى ميادين عامة بعد شهور قليلة ربما من تسميتها بأسمائهم.
ولكننى بصراحة ووضوح، أحذّر مصر الآن من ارتكاب هذه الخطيئة. فهؤلاء الشبان ليسوا الإخوان، وليسوا بلطجية حماية العقود الثلاثة الماضية. ومن العار أن يصورهم الإعلام خونة ويعرض تسجيلات عادية جدًّا لا تثبت أى شىء عن تمويل (مشبوه)! مصر نفسها تتمول من هنا وهناك! وإذا كان التمول العلنى المشروع جريمة، وإذا كنتم أنتم أسودًا، فأرونا شطارتكم فى محاكمة ومقاطعة الاتحاد الأوروبى ودولة الدانمارك، مثلًا؟ أليسوا شركاء فى الجريمة؟
أطلب البراءة، لا العفو، لعلاء ودومة وماهر.
وأطلب العفو، لا البراءة، لمبارك وولدَيه.
فمن غير المعقول، إلا إذا كنا نقصد، أن نسمح بتماهى انقلاب الحال، لنؤكد أنه حال الانقلاب، أن نبرّئ سائقى قاطرة التجريف فى الوقت الذى نعاقب فيه مشعلى مولوتوف الثورة. وكما قلت سابقًا فإن الانتقام من آلِ مبارك ليس هدفًا، لأنها ثورة وليست ثأرًا.
لكن السؤال المحيّر يبقى: هناك 2000 قتيل وأكثر منذ يناير 2011، فكم مدانا بالقتل هناك؟!
■ ■ ■
(3)
الله يجازى الدكتور حجازى
على مدى ساعة ونصف الساعة قصفنا الدكتور مصطفى حجازى مستشار الرئيس، بكمية مصطلحات، لا أعرف مَن هم تحديدًا الذين اصطلحوا عليها. وهناك مصطلح يحمل له الدكتور معزة خاصة فى ما يبدو، له علاقة بالـ«الكلأ»، وهى لفظة ترددت فى ساعة ونصف الساعة مع الدكتور، أكثر مما ترددت فى قرن ونصف القرن حسب ما أظن.
ومع هذه الفصاحة، وأكثرها محمود حتى لا أبالغ، فإن الدكتور حينما استشهد بشعر شوقى، كان اقتباسه من شعر الأمير للأطفال! ماشى.
معادلات الدكتور حجازى وخطواتها جاهزة حاضرة فى ذهنه وعلى لسانه كأنها إصبع على زناد، ما أن يتضمن سؤال السائل الكلمة (المفتاح) حتى ينضغط الزناد وتأتى الإجابة سريعة الطلقات.. والمصطلحات. وتلك سمة لا أعرف مَن يشارك الدكتور فيها سوى العاملين فى مجالات التنمية البشرية، وسوى الدكتورة منال عمر التى غزت برامج التوك شو هى الأخرى فى السنوات الأخيرة.
سؤالى للدكتور حجازى، كرجل علم ومصطلح، ما سنده العلمى، المحوكم، للفرضية المسلمة التى بدأ بها خطه الفكرى واستنتاجاته واستنباطاته واستقراءاته، حين قال: إن المصريين 88 مليونًا فى ناحية، ومليونان فى ناحية أخرى؟ قياس؟ استطلاع؟ استبيان؟ أم خالد يوسف؟!