هل تعثّرت مسلسلات المحجبات وصارت غير مطلوبة تسويقيًّا بسبب ما أصاب التيار الإسلامى من تراجع فى الشعبية، أم أن هذا النوع من الدراما لأنه يخاصم المنطق بات محكومًا عليه بالفشل؟
لا أتصوّر أن الأمر به أى ظلال سياسية، ولكن فى النهاية الجمهور هو الذى يختار العمل الفنى سواء أكانت البطلة محجبة أو غير محجبة، لا أستسيغ تعبير سافرة، هل مثلًا انتعشت مسلسلات المحجبات فى عهد مرسى، لم يحدث لا فى عام مرسى ولا فى 30 عامًا زمن مبارك، كانت هناك محاولات للغزل لم تُسفر عن شىء، أتذكر قبل بضع سنوات قدمت سهير رمزى وسهير البابلى مسلسلى «حبيب الروح» و«قلب حبيبة»، وقالوا وقتها إن التليفزيون الرسمى منع العرض خضوعًا لرأى الدولة، بل إنه فور سقوط مبارك صرّحت «رمزى» فى أكثر من جريدة أن سوزان مبارك هى التى أصدرت تعليماتها لأنس الفقى وزير الإعلام الأسبق، بإبعاد المسلسل عن الخريطة بعد أن وافقت عليه لجنة الاختيار، ولم يكن ذلك صحيحًا على الإطلاق، فلقد كنت عضوًا باللجنة واستُبعد المسلسل بسبب ضعف مستواه الفنى.
كانت هناك قبل عشر سنوات خطة لأعمال درامية قادمة تلعب بطولتها الفنانات المحجبات، ولكن شركات الإنتاج تراجعت لأن أرقام التوزيع كانت هزيلة، صاحب رأس المال لا يعنيه من قريب أو بعيد حجاب أو سيقان، المهم هو أن هناك أرباحًا إذا تحققت فلا بأس وإذا لم يحدث ذلك فسوف يتم تغيير المؤشر. كان الموزع السينمائى محمد حسن رمزى يبيع أفلامه فى الثمانينيات بسيقان نادية الجندى ونبيلة عبيد، وكان يحرص على أن تتصدر صورهما الأفيش، وعندما بدأ فى نهاية التسعينيات بزوغ ظاهرة السينما النظيفة التى حققت أرباحًا فى شباك التذاكر، بات يمنع فى أفلامه مجرد القبلات، الأمر خاضع لمبدأ «اللى تكسب بيه العب بيه».
قرأت قبل أيام تحقيقًا للزميل عمرو صحصاح، فى «اليوم السابع» يؤكد أن مسلسلات المحجبات الجديدة قد تعثّرت فى التسويق ولم يتم استكمال تصويرها، التعثر على العكس يغرى رأس المال بالتدخل، لأنه يعنى الحصول على البضاعة بأقل الأسعار، سهير رمزى مثلًا لم يتوقف لها مسلسل واحد بل اثنين، أحدهما من إنتاج القطاع الخاص والثانى «صوت القاهرة»، ولم يتقدّم أحد للشراء حتى الآن.
الحجاب لا يمكن أن يختفى من الدراما، وإلا نصبح وكأننا نتحدث عن مجتمع آخر وليس مصر التى ينتشر فيها الحجاب، نعم من الممكن ملاحظة أن الحجاب بعد ثورة 30 يونيو شهد تراجعًا ما، ولكن لا يزال هو المسيطر على مشهد النساء، ومن البديهى أن نرى البطلة محجبة، تاريخيًّا ظهور المرأة المحجبة ليس من الأمور التى تمت ببساطة، عندما قدم المخرج أحمد عاطف فيلمه «عمر 2000» كانت منى زكى من أوائل مَن لعبن دور المرأة المحجبة قبل نحو 12 عامًا وامتلأت وقتها الصحف من فرط الغرابة بصور من الفيلم تشير إلى حجاب منى زكى باعتباره حقيقة، وشاهدنا مرة أخرى منى فى «سهر الليالى» لهانى خليفة، وهند صبرى «أحلى الأوقات» لهالة خليل، وياسمين عبد العزيز فى «صايع بحر» لعلِى رجب، وفى هذه الأفلام وغيرها كنا نرى أداء المرأة المحجبة، ولكن الدراما لا يفرض عليها قانون الحجاب. على جانب آخر شاهدنا بشرى فى «أنا مش معاهم» لأحمد البدرى، والفيلم كان حريصًا على أن يقدم صورة ذهنية إيجابية مرتبطة بالحجاب، الفتاة عندما تخلع الحجاب ترتكب حماقات، أما أكثر الأفلام مباشرة فى هذا الاتجاه فهو «كامل الأوصاف» أيضًا للمخرج أحمد البدرى، وهو آخر الأفلام الذى شاهدنا فيه حلا شيحة، وكان صريحًا ومباشرًا فى فرض قواعد الحجاب على الدراما، والنساء غير المحجبات كن عنوان الرذيلة.
هذه الأفلام لم يتحمس لها الجمهور، لأنها تخاصم المنطق، ولا يمكن أن يصبح الحل هو ما فعلته مؤخرًا صابرين فى العديد من المسلسلات، عندما وضعت الباروكة على الحجاب فى المشاهد التى تتطلب أن لا تظهر فيها محجبة، لقد شعرت حنان ترك بالتناقض وآثرت قبل عام ونصف العام الاعتزال، وجود المرأة المحجبة على الشاشة ضرورة يفرضها الواقع، ولكن دراما الحجاب تُخاصم الواقع!!