نشأتُ فى أسرة محافظة تمثِّل قطاعًا كبيرًا من الشعب المصرى، ومورِسَ علىَّ أغلب أساليب التنشئة التقليدية. حتى إننى حينما التحقت بكلية الهندسة سألنى أحد زملائى ذات مرة ما إذا كنت سوف أعمل بعد تخرجى، فأجبته بنفى قاطع «طبعًا لأ.. أنا هاقعد فى البيت»، وكنت وقتها لا أتحدث بلسانى بل بلسان أسرتى والمجتمع بأسره، الذى يرى معظمه حتى الآن أن المرأة مكانها المنزل. وعندما تَخرَّجت فى معهد السينما وقدمت فيلمى الأول كان هناك سؤال كثيرًا ما يوجَّه إلَىَّ من قِبَل الصحفيين ومحاورى البرامج: «ما السر فى رأيك وراء قلة عدد مخرجات السينما فى مصر؟»، وكانت دائمًا إجابتى واحدة، هى أننى لا أرى ذلك، بل على العكس فإننى أرى أن عدد المخرجات فى مصر كبير جدًّا، بل أكثر من المتوقع بكثير، فكل ما تحتاج إليه مهنة المخرج أو المخرجة من مواصفات شخصية إنما يتعارض جملة وتفصيلًا مع ما تقوم الأسرة المصرية بغرسه فى كل فتاة. فلو كانت مهنة الإخراج على سبيل المثال تحتاج إلى شخصية قيادية فإن المرأة فى مصر يتم منذ صغرها تلقينها قيمة الانصياع للرجل، وهو بالطبع زوجها فى المستقبل، بينما هى كمخرجة عليها أن تقود موقعًا للتصوير يضمّ ربما أكثر من خمسين رجلًا. كما أن شخصية المخرج كذلك تتطلب الكثير من الثقة بالنفس وهو أمر يصعب أن تكبر الفتاة عليه فى مجتمع يذكرها دائمًا بكونها عورة وفتنة عليها أن تتخفى وإلا أصبحت وحدها مسؤولة عن إثارة أى رجل متحرش. وإذا كان الفن عموما يحتاج إلى قدر كبير من التمرد فإن الشخصية المتمردة إذا اقترنت بفتاة فستكون مستهجنة من أسرتها ومن محيطها بشكل عام، لأن التمرد كثيرا ما يكون نقيضًا للطاعة والانصياع (اللذين هما شأن كل فتاة مهذبة)، بالإضافة إلى ما تتطلبه مهنة الإخراج من الخروج للعمل أو العودة فى أوقات متأخرة من الليل فى حين أن مجتمعنا لا يقبل خروج المرأة أو عودتها من العمل متأخرًا إلا إذا كانت تعمل طبيبة أو ممرضة لديها نباتشية مسائية فى مستشفى. حتى اسمها الذى لا بد أن يوضع فى الشارع على أفيش الفيلم فى وقت لا يزال فيه كثير من الرجال يترددون فى ذكر أسماء زوجاتهم أمام الأغراب. وكيف لفتاة يتم نهرها إذا جاهرت بصوتها عاليًا فى الشارع ووسط الناس (لأن البنت المؤدبة لازم يكون صوتها واطى) أن تقف على رأس موقع التصوير بثبات فى حين ينتظر منها الجميع أن تصيح عاليًا بقوة وبحزم «أكشن»؟
طبعًا هاقعد فى البيت
مقالات -
نشر:
22/12/2013 7:06 ص
–
تحديث
22/12/2013 7:06 ص