كنا في ضيافة السيد رئيس الجمهورية الذي بدأ سلسلة من اللقاءات ليقف بنفسه على رأي الأغلبية العظمى من أبناء الشعب في مسألة خارطة الطريق و ما الذي ينبغي فعله بعد الأستفتاء على الدستور. قال لنا الرئيس انه قرر ان يبدأ أولى لقاءاته بلقاء الشباب ليوجه بذلك رسالة ضمنية للمجتمع انه يأخذ رأي الشباب أولا فهم على حد قوله بناة المستقبل. وأثناء اللقاء أقترح احد الزملاء ان نعمل تصويت بيننا على السؤال الأهم وهو هل تفضل الأنتخابات الرئاسية أولا ام البرلمانية؟ وجأت النتيجة على النحو التالي: 37 صوتوا للرئاسية أولا، 14 للبرلمانية، و6 كانوا مع الرئاسية والبرلمانية في يوم واحد.
ويبدو لي ان التصويت بالأغلبية لصالح الرئاسية جأ على خلفية المصلحة العامة دون المصلحة الشخصية الضيقة، فالكل يخشى على مصر ويريد لها الأستقرار. بيد ان بعض الآراء او الحجج التى سيقت من أجل تبنى الرئاسة اولا، بحاجة الى مراجعة، خاصة تلك المستندة الى مواد الدستور. فالدستور ينص على ان المدة المتاحة بعد الأستفتاء للأنتهاء من الأنتخابات البرلمانية والرئاسية هي ستة أشهر فقط لا غير. فلو ان نتيجة الأستفتاء أعلنت مثلا يوم 20 يناير بأقراره، فهذا يعني ان المرحلة الأنتقالية تنتهى بقوة الدستور الجديد يوم 19 يوليو ولا يسع الرئيس عدلي منصور الا تنفيذ أرادة الشعب. وباب الأحكام الأنتقالية يعطي الرئيس الحرية فقط في تقديم الأنتخابات الرئاسية قبل البرلمانية على عكس خريطة الطريق التى أعلنت في الأعلان الدستوري.
لكن المنادين بتقديم الرئاسية فاتهم شيء في منتهى الأهمية، وهو متى يمكن عقد الأنتخابات الرئاسية حتى لو جأت اولا؟ ينص الدستور على ان المدة المتاحة امام الأنتخابات الرئاسية هي 120 يوم. وبحسبة بسيطة، اذا تم الموافقة وأقرار الدستور يوم 20 يناير، تكون الأنتخابات الرئاسية في شهر مايو!! وليس كما يظن البعض ان بأمكاننا ان نأتي بها في شهر مارس أو أبريل. ومدة الأربع أشهر هذه ضيقة للغاية، إذ على المترشحين جمع 25 ألف توكيل صحيح من 15 محافظة ليصبح مرشح جدير بخوض الأنتخابات. لاحظ ان بعض الناس تظن ان حال عدم وجود البرلمان وعدم تمكن المرشحين من الأستناد في ترشيحهم على توقيع 20 نائب برلماني، بأن هذا أخلال بالدستوريفتح باب الطعن امام القضاء على الأنتخابات الرئاسية. لكن هذا رأى جانبه الصواب بشهادة الرئيس عدلي منصور رئيس المحكمة الدستورية العليا. فهذا الشرط ينتفي على كل المرشحين وليس مرشح واحد وبالتالي هناك مساواة وتكافأ فرص بين الجميع.
مدة ال120 ضيقة جدا على كل حال، لأن المطلوب ليس مجرد ال25 ألف توقيع فقط، ولكن على كل مرشح عمل تقدير موقف ومعرفة ما هي التحديات التى تواجهها مصر وما هيه أولويات المرحلة، والتقدم بملفات تحوي برنامج يتصدى للمشكلات التى يواجهها المواطنون ثم تكوين فريق عمل صالح وقادر على تولي المسئولية يستطيع بكل كفأة ان يقود البلد الى طريق المستقبل. كل هذا في أربع أشهر، علما بأن أهم شيء خلال الحملة الأنتخابية هو مخاطبة الجماهير ليعرض كل مرشح تصوراته على الناس لكي يختاروه رئيس لهم. فهل مدة الأربع أشهر كافية لكل ذلك؟ ام ان الرئيس القادم سيدخل الى مكتبه وبعدها بقليل نرى مظاهرات تطالبه بدفع الأستحقاقات التى قطعها على نفسه وقت الأنتخابات. في حين انه سيكن مشغول بعمل تقدير موقف الذي فاته وقت الحملة!! مهما كان الأمر هناك من يظن ان التعجيل بالرئاسية قبل البرلمانية سيأتي بالأنتخابات مبكرا، ولكن هذا غير صحيح. فبموجب الدستور قد يتم الطعن في قانون الأنتخابات الرئاسية اذا كان الوقت المتاح للرئاسة أقل من 120 يوم.
ونأتي على نقطة أخرى، كثيرا ما نسمعها هذه الأيام، وهي ان الأنتخابات البرلمانية ستفتت جبهة 30 يونيو وتقسم رفاق الطريق الى متنافسين وفي بعض الحالات تحولهم الى غرماء، وهو الأمر الذي يظن البعض ان سيلقي بضلاله على أنتخابات الرئيس القادم. والى ذلك الفريق نقول، وماذا عساه الرئيس القدم ان يفعل، اذا أجرى أنتخابات برلمانية بعد شهران من حلوله رئيس للبلد ثم يجد جيهة 30 يونيو تنقسم امام عينيه؟ وهل تأخير البرلمانية لمدة شهران بعد الرئاسة كفيل بأن يجعل تحالف 30 يونيو متماسك؟ لا أعرف. لكني أظن، بل أعتقد ان تحالف 30 يونيو المكون من جبهة الأنقاذ وتمرد، والحركات الشبابية، عليه ان يتماسك بغض النظر عن موعد الأنتخابات البرلمانية. وأدعوا الله ان لا تأخذنا أدعائات خاطئة الى التفتت. فحتى الرئيس عدلي منصور بنفسه، حذر قائلا "ان لم تتحدوا، فهناك قوى كثيرة أخرى أكثر تنظيما بالبلد وهي تعد العدة للبرلمان القادم وقد لا تنالوا شيء في الأنتخابات القادمة اذا حدث وأنقسمت قواكم لا سمح الله".
عدلى منصور يتحدث من موقع من يعلم، الى أولئك الذين يظنون انهم يعلمون، وهم الى الأنقسام أقرب. لكن هذا الأمر لا يشغلني كثيرا، والسبب ببساطة، اني مؤمن ان البرلمان القادم سيكون معبر عن التركيبة الأجتماعية الأقتصادية الجغرافية الواقعية للمجتمع المصري وسيكون موقع من يظن انه وراء ثورة 30 يونيو على حسب وزنه الحقيقي، وسيكون موقع من صنع 30 يونيو معبرا عن وزنه الحقيقي ايضا. وأعتقد جازما ان الشباب الناشط الفاعل بين مثلث التحرير، عبدالمنعم رياض، وطلعت حرب، سيخرج من المولد بلا حمص، ليس لأنه عاجز او غير كفئ او غير جدير بالثقة، ولكن لأن ترتيب الأولويات عنده خاطئ.
نحن أمام تحديات داخلية واقليمية لم نشهد لها مثيل في ال200 سنة الماضية. فلأول مرة نرى مصر وسط بحر من الأنهيار ومحيط من التفكك الأقليمي الذي يصب كله لصالح أسرائيل. وعلى الصعيد الداخلي، هناك شعب حاضر، وعقل جمعي يعرف بقرون أستشعاره اين الطريق، ولدينا أيدلوجيين من الذي فارقوا روح العصر ولم يعد بمقدورهم التقدم الى الأمام ويفعلون كل شيء لكي لا يأتي الغد المنشود. بعضهم مخربين والاخر له شعار "فيها لأخفيها". الملاحظ ان فكرة النقاء مسيطرة عليهم وكأنهم من فرز والشعب من فرز أخر. بيد ان تسترهم وراء الشعارات لا يجدي نفعا ولا ينطلي على احد. ولذلك ترى الهجوم شرس عليهم. فأما ان يفيقوا او يجرفهم التيار الرئيسي للشعب المصري.
ولعلك تلاحظ عزيزي القارئ ان هناك كلمة كانت تتردد كثيرا في العامين الماضيين ولم يعد لها ذكر الآن، وهي ان الثورة تتأخر لانها بلا قائد. والان الناس تتشوق بسرعة للأنتخابات الرئاسية من اجل ان يتولي القائد، ولكني أعتقد جازما ان الأنتخابات البرلمانية أولا لأنه الأصلح لحال البلد، والأفضل على الصعيد الأستراتيجي والتكتيكي. فالهدف في النهاية هو المصلحة العليا للبلاد والعباد. مصر منتصرة بأذن الله.