وقف أحمد بدير على خشبة المسرح باعتباره واحدًا من وجوه السينما المتألقة، فهل فى إطلالة بدير صلة قربى أو نسب بالسينما المصرية، ناهيك عن العربية؟
فى افتتاح مهرجان دبى السينمائى، وفي تداعيات استفتاء أفضل مئة فيلم فى تاريخ السينما العربية، كان لا بد أن نرى صناع السينما الذين تألقوا، ولجأ المهرجان إلى التقييم الرقمى المباشر، وأنا بالطبع أتفهم دوافع حيادية الرقم فى التقييم، لكن الخضوع المطلق له أيضًا ظلاله السلبية، والقاعدة هى الفنان الذى يتكرر اسمه فى عدد أكبر من الأفلام هو الذى يتم تكريمه، وكان الرقم صادقًا فى أشياء، وكاذبـًا فى أخرى، فهو ليس كما قال الشاعر «كالسيف أصدق أنباء من الكتب» أحيانا تخدعنا النتائج.
من البديهى أن بين 100 أفضل فيلم عربى نجد أن رصيد السينما المصرية 47، وبالتالى أيضًا فإن عناصر التفوق فى ظل تلك المعادلة يُصبح الوجه الغالب لها هو للمبدع المصرى، مثلا فى تحديد أفضل مدير تصوير على المستوى العربى جاء اسما رمسيس مرزوق وطارق التلمسانى، ولكل منهما خمسة أفلام، وبالطبع الرقم هنا عبر قيمة إبداعية لمرزوق والتلمسانى، لكن على المقابل تأخر ترتيب عبد العزيز فهمى، الذى أعتبره واحدًا من عباقرة التصوير فى الشاشة العربية، لأن رصيده فى قائمة المئة لم يتجاوز ثلاثة أفلام.
فى المونتاج تستحق، ولا شك المبدعة رشيدة عبد السلام تلك المكانة المميزة التى حظيت بها بـ13 فيلمًا، فهى الأولى بلا منازع، حيث إنها ارتبطت بكل من يوسف شاهين وصلاح أبو سيف صاحبى الرصيد الأكبر من أفلام المئة، وجاءت نادية شكرى تالية لها بـ7 أفلام، لأن نادية ارتبطت أيضًا بكل من محمد خان وعاطف الطيب، لكننا نلمح اسم أستاذ المونتاج سعيد الشيخ فى مركز متأخر، لأنه لم يقدم سوى أربعة أفلام، كما أستاذ المونتاج كمال أبو العلا لم يأت ذكره أبدًا. بين المخرجين تقاربت إنجازات يوسف شاهين 8 أفلام، وصلاح أبو سيف 7 أفلام، وهما يستحقان تلك المكانة، كما أن صعود اسم حسين كمال بثلاثة أفلام «البوسطجى» و«شىء من الخوف» و«ثرثرة فوق النيل»، يمنحه بعضا مما يستحق، ولكن كمال الشيخ وهنرى بركات ونيازى مصطفى لم تتضمن قائمة الأفضل أسماءهم.
ونعود إلى نجوم التمثيل جاء اسم فريد شوقى فى المقدمة بسبعة أفلام، والحقيقة أن فريد هو نموذج صارخ للموهبة الاستثنائية والحضور الطاغى وحظى بمكانة النجم الجماهيرى الأول، وظل محتفظًا بتلك المكانة وحتى الرحيل، وأرى أن أفلام مثل «بداية ونهاية»، و«السقا مات» و«الفتوة»، والثلاثة بالمناسبة لصلاح أبو سيف بالفعل تضعه فى المركز الأول، وجاء الثانى أحمد زكى بستة أفلام، وبالطبع أحمد ينتمى إلى جيل تالٍ لفريد، وتلك المكانة الاستثنائية تجد فيها أن خمسة من أفلامه الستة، كانت من إخراج خان والطيب وداوود، والفيلم الوحيد الخارج عن تلك المنظومة «إسكندرية ليه» ليوسف شاهين، لكن مثلًا أحمد بدير هل كان علامة فارقة فى «الطوق والإسورة» و«المهاجر» و«حين ميسرة»، وبالمناسبة أعجبنى دوره فى «عمارة يعقوبيان»، لكنه صعد على مسرح مدينة أرينا فى مهرجان «دبى» ليس من أجل «يعقوبيان» فقط، لكن على اعتبار أنه أحد الوجوه المعبرة عن السينما العربية، ومن المؤكد أن رقم أربعة به أسماء مثل أمينة رزق وسعاد حسنى وصلاح منصور وعماد حمدى ونور الشريف ويوسف وهبى، وبالطبع كلها على الفور عندما تذكر السينما المصرية تحتل مساحة مميزة فى الذاكرة، ومن المفارقات مثلًا أن فاتن حمامة لم تحقق هذا الرقم، ولها فقط فى القائمة ثلاثة من بين المئة، كما أن الفنانة القديرة تحية كاريوكا كانت هى الأولى فى عدد الأفلام وصلت إلى رقم 6 بين أفلامها الستة ستجد «شباب امراة» و«الفتوة» و«السقا مات»، كانت تحية هى القوة الضاربة، لكن تحية كاريوكا فى «الكرنك» و«مرسيدس» و«خاللى بالك من زوزو» لم تكن هى العنوان ولا أعنى بالضرورة الاسم الأول على الأفيش ولا مساحة الدور، لكن القدرة على التأثير.
الباحث عليه ألا يستسلم لهذه النتائج مجردة، الرقم ليس دائمًا عنوان الحقيقة، لكن ما بعد الأرقام يحتاج إلى دراسة تحمل قدرًا من التأنى والتفكير والتأويل لنصل معًا إلى شاطئ الحقيقة.