في تمام الساعة الثانية عشر إلا ربع ليلة الخميس الماضي كنت صاعداً إلى مكان عملي في إحدى عمارات هذا الشارع وسط القاهرة، وجدت خمسون رجلاً بزي مدني ويحملون أنواع مختلفة من الأسلحة، قالوا لي ممنوع الدخول الأن لأي شخص هذه العمارة، فقلت لهم أني محامي وأريد أن أصعد إلى مكتبي، فقلت لهم من أنتم، فقالوا نحن من الشرطة وننفذ مهمة في هذه العمارة، فقلت لهم أنا أحتاج للصعود إلى مكتبي الأن لأن لدي عمل يجب أن أنهيه الأن.. فدفعوني بقوة بعيداً عن مدخل العمارة وقالي لي لا تحاول أن تفعل هذا مرة أخرى كي تكون بأمان، فاعترضت على دفعهم لي بالقوة وما كان مني بعد ذلك سوى أني تنحيت جانباً.. ففوجئت بأنهم يجرون خمسة من زملائي المتطوعين بالمركز اللذي أعمل به ويقتادوهم ويوسعوهم ضرباً طوال عدد درجات السلم وأحد هؤلاء الأشخاص التابعين لهم يقوم بتصوير عملية الضرب هذه.. فقلت لهم من الواضح أن تلك العملية التي جئتم تنفذونها كانت عندنا في المركز، وهذا مكتب محاماة لا ينبغي أن تقتحموه ولا تفتشوه ولا تستولوا على أي شيء ولا تقبضوا على أحد دون أن الحصول إذن النيابة الكلية وإخطار نقابة المحامين كما ينص قانون الإجراءات الجنائية وقانون المحاماة.. فعندما طلبت رؤية إذن النيابة واعترضت على ضرب الزملاء حيث إن جاز القبض عليهم فضربهم وإهانتهم جريمة.. فما كان منهم سوى ضربي أنا الأخر وقالوا طالماً أنت زميلهم فيجب أن تأتي معهم.
إستمروا في ضربنا لفترة ثم أدخلونا مع بعض أجهزة الكمبيوتر وبعض الأوراق التي إستولوا عليها من المركز في سيارة «ميكروباس» تحمل أرقام أجرة عادية ولا تبدوا كأنها سيارة شرطة، وأخذوا الهواتف والمتعلقات الشخصية والساعات فلم نستطع أن نبلغ أحداً بما يحدث ثم قطعوا قميص أحد زملائنا إلى شرائح إستخدموها في ربط أيدينا من الخلف وعصم أعننا، ثم إقتادونا إلى مكان ما في برهة قصيرة، ظللنا في هذا المكان لمدة تسع ساعات واقفين ووجوهنا المعصومة إلى الحاط وأيدينا مكبلة خلف ظهورنا ولا نعلم أين نحن، وإذا قرر أحدنا أن يستفسر أو يشكو أو يعترض على شيء فتكون الإجابة هي الضرب على «القفا» من رجل الأمن الذي يوجد خلف كل واحداً منا.
في التاسعة صباحاً إقتادونا من هذا المكان في سيارة «ميكروباص» إلى مكان جديد، كشفوا فيه الغمامات التي على أعيننا وفكوا القيود عن أيدينا وقالوا لنا أنتم غي قسم شرطة «عابدين» ونحن أسفون على ما حدث لكم ولا نريد منكم شيئاً.. وتقدروا تتفضلوا بالإنصراف.
إلى هنا إنتهت رواية مداهمة الشرطة لمقر «المركز المصري للحقوق الإقتصادية والإجتماعية».. وهم مركز محاماة متخصص في قضايا العمال وقضايا الفساد المالي والإداري وليس للمركز أي نشاط سياسي سوى أن رئيسه «خالد علي» منذ عامين كان مرشحاً للرئاسة.
كل ما سبق رغم بشاعته حدث مراراً قبل ذلك وأعتقد أنك عزيزي القارئ عندك روايات أكثر إثارة من هذه بكثير .. لكن الجديد في هذه الرواية التي رواها علي المحامي «محمود بلال» والمثبوتة في محضر شرطة حرر قبل خروجهم من القسم لإثبات الواقعة.. أن محمود بلال عندما سأل المتواجدين أمام العمارة عن إذن النيابة الكلية وانهالوا عليه ضرباً تدخل احد الضباط التابعين لقسم عابدين والمرافق للقوة ليخبرهم انه يعرف محمود بلال وانه محام، تعدوا ضباط الأمن الوطني على ذلك الضابط وقاموا بتقطيع السترة التي كان يرتديها.
إذا كنت عزيزي القارئ منتمي لفكر جماعة الإخوان المسلمين شكلاً أو موضوعاً أو الإثنين معاً.. سوف تقول بداخلك أو بتعليق مكتوب «يستحقون أكثر من هذا.. فهؤلاء كانوا ممن نزلوا في ٣٠ يونيو ووضعوا أيديهم في أيدي الفلول و حرامية مبارك ويدافعون عن الإنقلاب ويدافعوا عن شرعية الإنقلابيين وصمتوا عن قتل أهلنا وأصدقائنا وزملائنا في رابعة والنهضة والحرس الجمهوري ورحبوا باعتقال الرئيس الشرعي محمد مرسي وقيادات جماعة الإخوان المسلمين، ويتهموننا بالخيانة في إعلام الإنقلابين ويحرضون الشعب علينا»
أما إذا كنت عزيزي منتمي لفكر الفلول والعسكرة شكلاً أو موضوعاً أو الإثنين معاً «مع أني لا أعتقد أن أمثالك لهم من الأساس أفكاراً تعتنق بل لهم مصالح مشتركة».. سوف تقول بداخلك أو بتعليق مكتوب لا يخلو من بعض الألفاظ القذرة «يستحقون أكثر من هذا.. فهؤلاء هم سبب النكبة والنكسة التي حدثت في ٢٥ يناير، وهم من إفتروا على الرجال أصحاب القامات الرفيعة وأسياد هذه البلد وكانوا السبب في دخولهم السجون حتى ولو خرجو بعد ذلك، وهؤلاء النكسجية الذين خربوا البلد وأتوا بالإخوان العملاء الخونة الي خربو البلد، نفسي يولعوا فيهم كلهم الخونة الذين سيمون أنفسهم حقوقيين وهم مجموعة من الـ..... والـ..... والسيسي عمهم و حارق دمهم»
أما إن كنت عزيزي القارئ ممن نزلوا في ٢٥ يناير و ٣٠ يونيو معاً ومنتمي لفكر التغيير من أجل العيش والحرية والعدالة الإجتماعية والكرامة الإنسانية.. « فأنا أعرف ما سوف تقوله جيداً».