أكثر ما أسعدنى فى انتخابات نقابة الأطباء، هو اختيار د.منى مينا لمنصب أمين عام مجلس النقابة، وأعتبره النتيجة الأهم للانتخابات. حقيقة كانت هزيمة الإخوان ساحقة فى مقاعد النقابة العامة، ولكن تولى د.منى هذا الموقع له، أكد أهمية هذا الانتصار لما له من دلالات مهمة:
أولا: أنه اعتراف بدور المرأة بعد ثورتى يناير ويونيو، وقد كانت د.منى من أبرز المشاركين فيهما، وكان وجودها المستمر فى المستشفيات الميدانية فى الأحداث المختلفة منذ بداية الثورة وحتى آخر الفاعليات مبعث أمان واطمئنان للمصابين الذين توافدوا على هذه المستشفيات، واستطاعت د.منى مع زملائها وبإمكانيات قليلة إنقاذ مئات المصابين والجرحى.
ثانيا: بذلت د.منى جهودا كبيرة قبل دخولها مجلس النقابة من خلال عضويتها فى منظمة أطباء بلا حدود، وأيضا كان لها دور بارز فى إعداد وتنظيم إضرابات الأطباء التى جرت فى مايو 2011 وأكتوبر 2012 للمطالبة بتحسين أجور وأوضاع الأطباء، وتأمين المستشفيات التى كان يتم اقتحامها والاعتداء على أطبائها فى ذلك الوقت، بجانب رفع ميزانية وزارة الصحة، وكان لدورها النقابى بجانب موقفها الثورى دور كبير فى منح الأطباء ثقتهم لها بنجاحها فى انتخابات النقابة منذ عامين، حيث لم تخرج فى التجديد النصفى الذى جرت على مقاعده الانتخابات التى تمت منذ أيام، ثم جاء اختيار مجلس النقابة لها لمنصب الأمين العام ليؤكد أن الشعب يقدر مواقف الثوار وتضحياتهم.
ثالثا: أن أعضاء مجلس النقابة بعد أن أصبحت أغلبيتهم تنتمى إلى تيار الاستقلال المناهض للإخوان، ورغم أن معظمه من الرجال لم يجد حرجا فى وجود امرأة ومسيحية «أعتذر عن الكلام عن الانتماء الدينى ولكن للضرورة أحكام» فى هذا المنصب الذى لم تحتله امرأة منذ إنشاء النقابة، ولم يصل إليه أى مسيحى منذ سيطرة الإخوان عليها، مما يعنى توجيه رسالة تحمل لطمة قوية للمتطرفين الذين يرون المرأة عورة والمسيحيبن كفارا، وأن تأثير هؤلاء بات ضعيفا فى نقابة يتعامل أعضاؤها مع كل فئات المجتمع من أدناها إلى أعلاها يتأثرون بهم ويؤثرون فيهم.
رابعا: أن سمعتها كواحدة من أبرز المقاومات للفساد، جعلها الأبرز والأقدر على مواجهة ما صنعه الإخوان طوال سنوات طويلة بالنقابة، خصوصا أن معظم الموظفين بالنقابة ينتمون إلى الإخوان، حيث تم تعيينهم فى فترة استيلائهم عليها، بجانب مراجعة ميزانية النقابة وطرق صرف أموالها خصوصا لجنة الإغاثة الإنسانية التى تحوم حولها الشكوك فى توجيه أموالها لصالح نشاطات الإخوان والتيارات المتطرفة، وهو ما يحتاج إلى أمين عام يتمتع بالسمعة الحسنة وقوة الشخصية والقدرة على المواجهة.
خامسا: أنها من أقدر الشخصيات على التفاوض مع وزارة الصحة لتحسين أوضاع الأطباء والممرضين، والارتقاء بالمستشفيات الحكومية ومراقبة الخاصة ووضع الضوابط التى تعيد لمهنة الطب إنسانيتها التى تكاد تضيع وهيبتها التى ضاعت بالفعل.
لكل هذه الأسباب أعتبر أن وجود د.منى فى هذا الموقع هو العنوان الحقيقى للانتصار فى موقعة نقابة الأطباء، التى لها أكثر من رسالة:
أولها: إذا واجهت مرشحى الجماعة بمرشح وحيد تم الاتفاق عليه بين القوى المختلفة فإن الفوز سيكون من نصيبك والهزيمة مؤكدة للإخوانى، وهوما يجب أن تنتبه إليه الأحزاب والقوى السياسية فى الانتخابات البرلمانية والرئاسية، وإلا سيكون الفوز حليف الإخوان والتيارات الإسلامية الأخرى.
ثانيا: أن المواطن تخلى فعلا عن الإخوان واكتشف زيفهم وارتداءهم عباءة الدين زورا وعدوانا، ولكن هذا وحده لا يكفى والمطلوب أن تكشف جهات التحقيق وقائع فساد وخيانة قيادات الجماعة التى يحقق معهم ويحاكمون بسببها حاليا.
ثالثا: أن المواطنين يستجيبون ويتجاوبون مع أى جهد لإقناعهم بالنزول من منازلهم والذهاب إلى لجان الانتخابات والإدلاء بأصواتهم حتى ولو كان يوم إجازة، والجو ممطر ويغرى بالبقاء فى المنزل، فقط يجب إثارة حماسهم، وإقناعهم بأن مصلحتهم ومصلحة الوطن فى الإدلاء بأصواتهم.
انتخابات نقابة الأطباء نموذج يجب دراسته والاستفادة منها لتحقيق نتيجة مماثلة فى الانتخابات البرلمانية والرئاسية،
ولكن يبقى فى كل الأحوال أن اختيارد.منى مينا لمنصبها الجديد أعطى حلاوة كبيرة للانتصار، بل لعله الجائزة الكبرى.