الاختلاف السياسى، حتى لو وصل إلى درجة الاتهام بالعمل لصالح مشروع «تخريبى»، وقد سبق أن اتهمت وائل غنيم بذلك بعد عصر الليمون، وبعد استخدام صفحة «كلنا خالد سعيد» من أجل هذا الغرض، إدانة للمشروع التخريبى، وليس للفرد. لاحظى استخدامى كلمة «اتهام» فى مقابل كلمة «إدانة». الفرد يتبع ما يراه صالحًا من وجهة نظره. وقد يخطئ وقد يصيب. ومعارضوه يتهمونه، بناءً على رؤيتهم هذا السلوك السياسى.
متى تخرج الأمور عادة من باب الاتهامات السياسية إلى باب العداء للفرد نفسه؟
١- حين يوجه هذا الفرد اتهامات تخوين إلى آخرين فيستدعى أن يواجهه الآخرون باتهامات على نفس الدرجة. وقد رأينا بعض عاصرى الليمون يفعلون ذلك. مرة أخرى هذا استدعاء للتخوين، واستدعاء للعداء. قيل قديمًا، «رأينا أناسًا لم تكن لهم عيوب، خاضوا فى عيوب الناس، فذكر الناس لهم عيوبًا. ورأينا أناسًا كانت لهم عيوب، سكتوا عن عيوب الناس، فلم يذكر الناس لهم عيوبا».
٢- أن يلجأ هذا الفرد إلى العنف. سواء بالمممارسة أو التحريض. هنا يتحول المشروع «التخريبى» إلى مشروع إرهابى، ولا بد من مواجهة السلاح بالسلاح.
٣- أن يحرض هذا الشخص على العنف.
٤- أن يستمر هذا الشخص مع نفس المشروع حتى بعد انكشاف ميوله الإرهابية. هنا تحول هذا الشخص من صاحب خيار فردى فى الاعتقاد بما يشاء، إلى صاحب خيار فردى فى الانضواء تحت لواء جماعة إرهابية، أو الترويج لها. أو محاولة إجبار (وليس دعوة) الآخرين على الانصياع لها.
من بين كل رجال أبى الفتوح الذين تحولوا إلى عاصرى ليمون بعدها، ثم معارضين لـ٣٠ يونيو، أستثنى وائل غنيم من كل هذا. وائل غنيم لم «يخوِّن» أحدًا، بل إنه لم يشخصن يومًا خلافًا بينه وبين أحد، فينقله من خلاف بين ما يمثل إلى خلاف مع الشخص نفسه، وبالتالى محاولة النيل منه فى غير موضوع الخلاف. وهو لم يحرض يومًا على العنف، ولم يلجأ يومًا إلى العنف. بعد كل هذا الوقت لم توجه جهة اتهامًا إلى وائل غنيم بهذا الشأن. ولو فعلت، بعد كل هذا الوقت، لكان بلاغًا مثيرًا للريبة. ووائل غنيم لم يحاول بعد إزاحة الإخوان أن يستخدم تأثيره على قطاع من الجمهور لكى يبرر -أو يشتت الأنظار عن- أفعال إرهابيين.
هذا شىء يسعدني كمواطن مصرى. تأثر بكلمات وائل غنيم وانسحر بها، بلغته المنطقية غير المستعلية، كأدمن لصفحة «كلنا خالد سعيد»، وبتاريخه المهنى بعد أن انكشفت شخصيته وعرفنا من هو. وبسلوكه المتواضع، الباعد عن الأضواء، والنائى عن المشاتمة والسباب. لو نحينا الخلاف السياسى جانبا، لم أرَ شخصية تبهرنى بعد ٢٥ يناير -على مستوى السلوك الشخصى- بقدر ما أبهرنى وائل غنيم.
لماذا أتذكر هذا الآن؟ لأن الأوان آن لكى نهدأ، ونفرق بين الغضب من الإخوان وبين الغضب ممن نختلف معه سياسيًّا، لكنه لم يكن إرهابيًّا ولا محرضًا على إرهاب. لكى نبنى أمة لا بد أن ننظر إلى المستقبل. ولكى ننظر إلى المستقبل لا بد أن يكون فى البلد مكان لكل الموهوبين، أن نتوقف عن حالة «الروماتويد السياسى» التى يأكل فيها المجتمع بعضه، وينشغل بمطاردة أنسجته. لا مستقبل بلا شخصيات موهوبة ومسالمة تضع خبراتها لصالح الوطن ككل. مرة أخرى، بغض النظر عن الخلافات السياسية، بغض النظر عن الأخطاء التى كان لكل منا نصيب منها، بدرجة أو بأخرى.
إن يدًّا مصرية تحمل سلاحًا أو حجرًا ضد الآخرين يد يجب أن تُكبَّل، لا شك فى هذا.
لكن، فى نفس الوقت، جهد مثل هذا وأكثر يجب أن نبذله فى مد الأيادى نحو الآخرين، فى تلمس الأيادى المترددة عن الامتداد، وفى البحث عن الأيادى الممدودة لكن الغشاوة تحجبها عنا. فى ذهنى من هؤلاء كثيرون. أولهم وائل غنيم. صاحب اللغة العبقرية المتواضعة الإنسانية الساحرة. وصاحب العقل المنظم المبتكر. وصاحب الشخصية المنكرة للذات. وصاحب الآراء التى قد تختلفين معها، لكنها تظل آراء.