الأسبوع الماضى وقع فى يدى عدد من مجلة «صباح الخير» صدر يوم الخميس 30 نوفمبر 1972، أى مضى عليه 39 عامًا. لو شاركتنى متعة تصفح هذا العدد فستتوقف طويلا أمام جمال الغلاف الذى تحتله لوحة فاتنة للفنان الراحل جمال كامل وبعد الغلاف ستتذوق رشفة من «عصير كتب» علاء الديب الذى يبشر فيه بموهبة الكاتب الشاب جمال الغيطانى قد لا تفلت من الوقوع فى أسر حلقة جديدة من رواية «زينب والعرش» لفتحى غانم، إن نجوت من الرواية فستقع فى براثن لوحات هبة عنايت التى يكرر فيها رسم أنثى تطل «الحسية» من عينيها.
طبعا ستفرح مثلى لأن كل هذا الجمال مقابل 50 مليمًا «خمسة قروش».
ولكن لأن الحلو لا يكتمل فستقرأ صفحة الرياضة، وفيها ستجد تلك الجملة التى تلخص تاريخ كوارثنا حيث يقول المحرر الرياضى: «رغم أن مصر فازت على الصومال 4 / 2 فى تصفيات الدورة الإفريقية لكرة القدم إلا أن الفائز الحقيقى كان الجمهور الذى أثبت بطولة فذة، حيث احتشد أكثر من عشرة آلاف متفرج فدائى فى استاد القاهرة، استطاعوا بإمكانياتهم المحدودة الوصول إلى الاستاد رغم الأمطار التى عزلت مناطق القاهرة عن بعضها، تلك الأمطار التى أدت إلى انقطاع التيار الكهربائى عن العاصمة».
من المحرر الرياضى ذهبتُ إلى التحقيق الرئيسى الذى كتبه لويس جريس رئيس التحرير .كان تحقيق لويس تحت عنوان «ملايين الجنيهات فى اليوم المطير» وكان العنوان مرسومًا على هيئة «لطخة طين» تغرق الجميع.
لم أكلف نفسى قراءة تفاصيل التحقيق، مكتفيا بأن يومًا مطيرًا فى بداية السبعينيات قد أضاع على الوطن ملايين الجنيهات.
أغلقت المجلة ورحت أقارن بين حالنا فى مطلع السبعينيات وحالنا الآن . لقد نعمنا بما كان المخلوع يطلق عليه استقرارا لمدة تزيد على الثلاثين عاما فماذا أنجزنا؟
هل أقمنا بنية أساسية تصمد لمطر مفاجئ؟ هل تخلصنا من الشوارع الغارقة فى الطين؟ هل تخلصنا من تلال القمامة التى كانت تحتل العاصمة فى السبعينيات ولا تزال تحتلها فى الألفية الجديدة. ألف سؤال والإجابة دائما هى النفى التام، كأن إهدار الفرص فن مصرى خالص وثقافة مصرية متجذرة فى تربة مجتمعنا.
البكاء على اللبن المسكوب لن يفيد أحدًا فهل ننتهز فرصة الصحوة الثورية التى نعيش فى ظلالها ونرد لشهداء ومصابى ثورة يناير بعض حقهم ولو بتنظيف شوارعنا والاستعداد الجاد والمدروس لمطر قادم؟ أم سنظل نندهش عندما تمطر السماء وتنقطع الكهرباء وتتوقف المواصلات، ثم بعد أن تهدأ دهشتنا نقسم أننا سنستعد ولكن فى العام القادم.
وبعد فقد كنت ُ أود أن أعتذر عن إعادة نشرى مقالى هذا الذى سبق لى نشره قبل عامين، ولكن ماجدوى الاعتذار بينما المرض هو هو والكارثة هى هى، وقليل من الماء يجعل من أكبر شوارع العاصمة مصيدة للناس والسيارات.
لقد مكثتُ مع آلاف المصريين محبوسًا على طريق المحور لأكثر من ساعتين لأن الذى خطط المحور نسى أن تقاطعه مع مهبط ومطلع الطريق الدائرى سيجعل من المحور قطعة من العذاب بل سيجعل العذاب نفسه قطعة من المحور.
فقط عدة أمتار من ماء المطر كانت كافية لشل المحور والطريق الدائرى ومن ثمَ شلّ المرور فى أرجاء العاصمة.
هل فكر أحد من المسؤولين فى فداحة الخسائر الاقتصادية التى لم يتسبب فيها المطر بل تسبب فيها تجاهلنا المتكرر لضرورة تأسيس بنية تحتية حقيقة؟
إذا كانت خسائرنا فى مطلع السبعينيات قد قدرها تحقيق مجلة «صباح الخير» بملايين الجنيهات، فكم بلغت خسائرنا الآن؟
بأى حق نأمل فى عودة السياحة إلى بلادنا بينما نحن أنفسنا نضيق بحال شوارعنا ومدننا؟
لقد كشفت الأيام الماضية التى شهدت هطول الأمطار عن وجهنا الحقيقى، نحن دولة من الدول التى تعالج أزماتها بالتصريحات الرسمية، لو تذكرنا كل التصريحات منذ العام 1972 وما قبله وحتى اليوم فلن نجد فارقًا يذكر، سنجدها جميعًا تؤكد جاهزية البلاد لاستقبال فصل الشتاء، لكن عندما تحين ساعة الجد أو ساعة المطر تتبخر هذه التصريحات أو تغوص معنا فى أوحال الشوارع. نحن لا نطالب بالمستحيل، نطالب فقط بشوارع مجهزة للأمطار فهل هذا كثير؟