اخترت اليوم من المفكرة مقالا نُشر على هامش أحداث محمد محمود فى نهاية نوفمبر 2011، فى حين كانت المقالات كلها تتابع الحدث وتعلق عليه اخترت يومها الكتابة عن عنصر كان ملء البصر لدرجة أن أحدا لم يهتم بالكلام عنه وهو حامل الراية فى محمد محمود، كان شخصًا مجهولا إلى أن خمّن البعض اسمين معينين كتبت عنهما، ثم صدق التخمين عندما احتفى بهما يسرى فوة فى «آخر كلام» عقب المقال بفترة وكانت لى مداخلة معهم لم أمتلك فيها كلمات سوى أخبارهم برغبتى فى الاستماع لقصتهما.
كان المقال بعنوان «حامل العلم فى محمد محمود».
■ ■ ■
كل يوم أسأل من فى الميدان «مين يا جماعة اللى واقف بعَلم مصر الكبير وسط الدخان فى محمد محمود بقاله 3 أيام ده؟» ولا أتلقى إجابة شافية، صار حامل العلم الذى لم يغب عن المشهد، ولم يبرح أمامه فى الصفوف الأمامية علامة استفهام كبيرة، فكرت أنه ربما يكون هناك أكثر من شخص يتبادلون القيام بالمهمة، لكن عندما تجلس أمام شاشة التليفزيون أكثر من ساعتين متابعا ضرب الغاز والاشتباكات العنيفة غير قادر على تمييز شىء من كثافة الدخان سوى العلم الذى يرفرف بقوة ستتأكد أنه شخص واحد لا يتحرك من النقطة التى يقف فيها.. قد يخطو إلى الأمام إذا تراجع الأمن المركزى، لكنه من النادر أن يخطو إلى الخلف إذا تقهقر الشباب، طيب كيف يتحمل هذا الغاز؟ (أقول من المؤكد أنه يستعين بالكمامة الشعبية المكونة من البصل المخروط والفحم المعبأ فى فوارغ الزجاجات المعدنية)، (طيب كيف يتحمل الخرطوش والبلى والحجارة.. أفكر كثيرا فلا أجد إجابة).
هذا المقاتل كان يشغلنى طوال الأسبوع لم يلق حجرًا ولم يسقط من يده العلم.. يرفع علم مصر فى قلب المواجهة ولا تستطيع أن تحدد جهة ما يخاطبها بهذا العلم الملوح بقوة، فهو إذا كان يلهب حماس الشباب فهو يقول أيضا لـ«الداخلية» نحن مصريون ويقولها بسيطة وواضحة للعالم كله (تحيا مصر)، هذا المقاتل أصبح أيقونة الميدان خلال هذا الأسبوع.. ثبات موقفه يثير الحماس والدموع.. أود أن يتدخل أحد لينقذه من الموت لكن الغريب أنه هو تحديدا لم يمت، وكان العلم ينوب عن مصر كلها فى دعمه.
هو وسائقو سيارات الإسعاف الذين كانوا يتوغلون تحت وطأة قصف الغاز والخرطوش لإخراج المصابين وائتلاف شباب الموتوسيكلات الذى كان يساعد فى مهمة الإنقاذ طول الوقت وأطباء الميدان الذين كانوا يتساقطون فى أماكنهم بينما ينقذون الآخرين.. الجميع هنا يقبلون رؤوسكم ويعلنونكم أبطالا وأوصونى بأن أمنحكم فى مقال اليوم وسام الشرف والشجاعة باسم الميدان.
أما المناضل حامل العلم فبعد أيام من البحث عنه أرسل إلىّ أحد الأصدقاء رابطًا لصفحة أنشئت من أجله على الفيسبوك، كان منسق الصفحة يبحث مثلى عن اسم هذا البطل، ورد عليه كثيرون عبر الصفحة وقالوا إن حامل العلم كان (طارق معوض، ومايكل كرارة)، كثيرون أكدوا المعلومة. إذن شابان مصريان واحد مسلم وواحد قبطى كانا يتبادلان هذه المهمة.. العلم كان يتنقل بين ذراعى مصر اليمنى واليسرى على طول المواجهة، لست متأكدا من صحة المعلومة حتى هذه اللحظة، فمن يملك أن يؤكدها أو ينفيها فرجاء أن يفعل، وسواء كانا هما أو غيرهما فلهم من أقصى أعماق القلب تعظيم سلام.