تدعو قيادات الإخوان من الصف الثالث أو الرابع- لا أدرى- إلى التظاهر فى الذكرى الثانية لأحداث محمد محمود.. ولكل من يعرف- أو لا يعرف- كان موقف قيادات الجماعة، سواء فى الوقت الذى وقعت فيه الأحداث أول مرة فى ١٩ نوفمبر عام ٢٠١١ فيما عُرف بـ«محمد محمود الأولى»، أو فى الأحداث التى جرت أثناء ذكراها الأولى فيما عُرف بـ«محمد محمود الثانية»، أقول كان موقف القيادات مخزيا ومخجلا ولا أخلاقيا.. وأنصح بالرجوع لما قالته قيادات الجماعة تفصيلا آنذاك، وهو مسجل، فضلا عن شهادات الشهود الذين حضروا الواقعتين، وهى كثيرة.
لا أظن أن هذه المواقف المخزية خافية على القيادات التى تدعو اليوم إلى التظاهر فى الذكرى الثانية لمحمد محمود والتى تحل بعد يومين.. هم يعلمون جيدا أن الجميع انفض عنهم، وصارت قطاعات عريضة من الشعب تكرههم.. هم السبب المباشر فى إعطاء الداخلية المبرر القوى لضربهم والتعامل معهم بشراسة.. وهم أيضا السبب المباشر وراء الدماء التى سالت منهم، ومن الجيش والشرطة.. وهم كذلك السبب المباشر وراء اتخاذ الحكومة الأوضاع الاستثنائية التى تعيشها مصر.. لذا، هم يبحثون الآن عمن يقف إلى جوارهم ويتضامن معهم، خاصة بعد أن نفد رصيدهم.. بالتأكيد هناك من ثوار ٢٥ يناير من له موقف تجاه ثورة ٣٠ يونيو، وبعضهم يعتبرها انقلابا عليها.. ومن باب «أن المصائب يجمعن المصابين»، لماذا لا يكون هناك موقف يجمع هؤلاء بأولئك؟.. ثم إن ثوار يناير لهم موقف أيضا من المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى عهد طنطاوى، حيث جرت المذابح المعروفة، ومنها محمد محمود.. إذن، لا بأس من التحلى بشىء من الاستهبال وعدم الحياء، وإن استلزم الأمر وضع بعض المساحيق والأصباغ لتمرير مسألة التظاهر.. هم يتوقعون أن هؤلاء الثوار لن يخذلوهم- كما خذلهم الإخوان فى السابق مرتين بل مرات- وأنهم سيغضون الطرف عما حدث منهم فى حقهم وحق الثورة، من باب «عفا الله عما سلف».
قيادات الجماعة تريد أن تستثمر غضبة هؤلاء الثوار للوقوف معهم فى محاولاتهم المستمرة والفاشلة لقلب الطاولة على الفريق أول عبدالفتاح السيسى، الذى كان عضوا بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة أيام طنطاوى، ووزارة الداخلية، أملا فى إرغام الحكومة على تحسين شروط التفاوض معهم، إن كان هناك ثمة تفاوض.
فى نظرهم، يعتبر الفريق السيسى رأس الحربة الذى قوض نظام حكم الإخوان، بانحيازه الكامل لإرادة الشعب، فقد كان- فى تصورهم- أن تمضى «تظاهرات» ٣٠ يونيو كما مضت قبلها تلك التظاهرات التى وقعت عقب إصدار الدكتور مرسى الإعلان الدستورى المشؤوم فى ٢١ نوفمبر ٢٠١٢.. ومن هنا يمكن تفسير تلك الحرب الشرسة التى يشنونها عليه داخل مصر وخارجها، مستخدمين فى ذلك جميع الوسائل والأساليب.. بطبيعة الحال زاد من لهيب هذه الحرب ما حدث أمام دار الحرس الجمهورى وأمام المنصة، فضلا عن نتائج فض اعتصامى رابعة والنهضة، علاوة على إلقاء القبض على قيادات الصفين الأول والثانى للجماعة، وتحويل الكثيرين منهم إلى محاكم الجنايات.. ناهينا عن وضع الدكتور مرسى نفسه فى قفص المحكمة، ثم نقله إلى سجن برج العرب، وبالتالى فقدان أى أمل فى عودة ما يسمى «الشرعية».
فى نظرهم، لا يعتبر الفريق أول عبدالفتاح السيسى الرأس المفكر والمدبر والمخطط والمنفذ لكل ما حل بهم من مصائب وكوارث فقط، بل هو الذى يقف سدا منيعا فى مواجهة أى ضغوط أو وساطات، حتى وإن كانت من الولايات المتحدة الأمريكية أو غيرها، لعودتهم أو لتحسين شروط التفاوض معهم.. والحقيقة أن الرجل يمثل العمود الفقرى- مع المؤسسة العسكرية- وراء ثبات الدولة أمام موجات العنف والإرهاب، سواء فى سيناء أو فى محافظات مصر، أو أمام محاولات إثارة الفوضى فى الشارع المصرى.. ثم هو الذى يقوم بتوجيه السياسات الخارجية لمصر تجاه الدول العربية، ودول حوض نهر النيل، خاصة إثيوبيا، وروسيا والصين، بما ينعكس إيجابا على الأوضاع السياسية والاقتصادية والعسكرية لمصر.
لأجل هذا كله، فالفريق أول عبدالفتاح السيسى كان، ولايزال، مستهدفا من الولايات المتحدة الأمريكية- التى فقدت مشروعها- والجماعات «الجهادية» والإخوان الذين ضاعت أحلامهم.