لم تكن المرة الأولى التى يتخلى فيها السجين محمد مرسى عن اسمه «الدنيوى»، ليصبح مجرد «نمرة» بعد أن حصل على رقم « 11253»، وهو الرقم الذى أصبح يتعامل به داخل السجن:
«خد يا حداشر ألف متين تلاتة وخمسين، هات يا حداشر ألف متين تلاتة وخمسين، روح يا حداشر ألف متين تلاتة وخمـ.....، تعال يا حداشر ألف متين تلاتة وخمسين، حداشر ألف متين تلاتة وخمسين اتأخر فى الحمام ليه يا مسجون إنت وهو».
■ ■
أحد عشر يوما مضت على وصوله إلى سجن برج العرب، والاهتمام به لا ينقطع، همساته، لمساته، انفعالاته، خلجاته.
حكايات «البط بالفريك»، و«أنا الرئيس الشرعى» كانت أكثر ما اهتمت الصحف بذكره عن مرسى، حكايات مسلية، لكنها بعيدة كل البعد عن الحقيقة، ويؤسفنى أن أقول لحضرتك إن كل الدراسات عن «مرسى» مزورة، وكل الرسوم لوجهه لا تشبهه، هو الآن يتقبل الأمر الواقع، يحاول أن يفهم، لا يطلب أكلات دسمة، لأنها باتت تسبب له «كوابيس» بالليل، أزمته الحقيقية فى رجل اسمه «محمد إبراهيم»، يحمل رتبة «لواء»، ويعمل وزيرا لداخلية جمهورية مصر العربية.
■ ■
منذ أن وصل مرسى إلى مقر محاكمته بأكاديمية الشرطة، وهو يفتش فى وجوه الحاضرين بحثا عنه، لكنه لم يكن موجودا، سأل بعض مرافقيه إذا كان أحد منهم قد رآه، لكنهم أجمعوا على أنه لم يحضر المحاكمة، وبعد أن حلقت الطائرة العسكرية التى حملته إلى مقر احتجازه بسجن برج العرب، كان شبح محمد إبراهيم يطارده خلال الرحلة، التى لم تستغرق سوى خمسين دقيقة.
■ ■
دخل مرسى غرفته بمستشفى السجن، وضع ملابس الحبس الاحتياطى البيضاء على حافة السرير، خلع جاكيت البدلة، ثم هم بفك حزام البنطلون، لكنه فجأة لم يتمالك نفسه، شعر بدوخة، وزغللة فى عينيه، فاستند بيده اليسرى على حائط الغرفة، وبيده اليمنى راح «يسحل» دمعة فرت من عينيه لكيلا يراها حراس السجن
■ ■
مرسى هو الذى عيّن اللواء محمد إبراهيم وزيرا للداخلية بعد صدمته فى اللواء أحمد جمال الدين، الوزير السابق، الذى رفض وبإصرار أن تتحول «الداخلية» فى عهده إلى «ميليشيا» تابعة للإخوان، يستخدمون ضباطها وجنودها فى الاعتداء على المصريين وقمعهم، وأقلقة أيضا التقارب الواضح بين الفريق أول السيسى، وزير الدفاع، واللواء جمال الدين، وزير الداخلية، ولقاءاتهما المستمرة فى دار الدفاع الجوى، والصور المنشورة لكل منهما ممسكا بيد الآخر فى إشارة واضحة إلى معنى «الجيش والشرطة إيد واحدة»، لذلك قرر أن يتخلص من وزير الداخلية، لتصل الرسالة بدورها إلى وزير الدفاع.
■ ■
كانت التقارير الرقابية كلها تشير إلى انضباط اللواء محمد إبراهيم، وحسمه، منذ أن تولى منصب مدير أمن أسيوط عام 2011، مؤكدا أن تأمينه زيارة مرسى إلى أسيوط، التى استخدم فيها أكثر من 10 آلاف مجند كان لها دور فى اختياره لهذا المنصب، خاصة أن إجراءات التأمين أعجبت مرسى، وأرضت غروره وتعطشه للسلطة والسلطان، وبعد تولى اللواء إبراهيم منصب مساعد الوزير لقطاع السجون ازداد إعجاب مرسى به، خاصة وقد عرف عنه الحزم فى معاملة مبارك ورجاله المحبوسين فى طرة.
■ ■
لم يكن اختيار مرسى اللواء محمد إبراهيم اختيارا عشوائيا، حتى قيل إنه دندن بكلمات أغنية «اخترت صح» لتامر حسنى عقب أداء اللواء إبراهيم اليمين الدستورية وزيرا للداخلية، وكان أداء الوزير الجديد مرضيا لمرسى والجماعة فى بدايات توليه المسؤولية، فلم يتورع عن استخدام القوة فى فض المظاهرات الرافضة لحكم الإخوان، وتغيرت سلوكيات «داخلية» اللواء محمد إبراهيم، حتى ظننت أن التاريخ سيكتب اسمه بـحروف من «غاز وخرطوش» فى موسوعة «سحل مصر»، فماذا غيّره؟ «أقول لك فى الأسبوع المقبل إن شاء الله»