تحصِّل جمعية المؤلفين والملحنين المصرية حق الأداء العلنى لأعضائها من كل أنحاء العالم، ولا تتعجب بما فيها إسرائيل، ولكن هذه قصة قصة أخرى. وهو مؤشر تستطيع من خلاله أن تتعرف على مدى نجاح الأغنية مع الناس، كانت المفاجأة فى آخر وثيقة رقمية فى أكتوبر الماضى أن أغنية «يا مصطفى.. يا مصطفى» لا تزال تحتل مركزا متقدما وتحقق للورثة إيرادا ضخما، وذلك بعد أن غنتها مؤخرا اللبنانية رايدا بطرس.
الأغنية أكملت عامها رقم 53 حيث قدمت لأول مرة فى فيلم «الفانوس السحرى» عندما استجاب العفريت لإسماعيل يسن الذى أدى دور مصطفى فغنوا له «يا مصطفى يا مصطفى أنا بحبك يا مصطفى»، بعدها بعام واحد فى سابقة هى الأولى من نوعها قدمت الأغنية مجددا فى فيلم «الحب كده» وغنوها هذه المرة لصلاح ذو الفقار.
صارت الأغنية منذ ذلك التاريخ هى الأشهر وتجدها أيضا بكل لغات العالم بالإيطالية والفرنسية والهندية والإسبانية والألمانية والتركية والأوردية والفارسية، جملة موسيقية بسيطة، وهنا تكمن عبقريتها، صاغها محمد فوزى بكلمات سعيد المصرى لتعيش فى ذاكرة العالم وحتى الآن.
الغريب أن تلك الأغنية لولا أن الكبير نجيب محفوظ كان فى تلك السنوات يشغل موقع الرقيب ما كان من الممكن أن ترى النور، فلقد كانت عقول الرقباء فى ذلك الحين 1959، تفتش فى النيات واستوقفهم اسم مصطفى رغم أنه بطل فيلم «الفانوس السحرى»، ولكن أحدهم قال إنه يغنى لمصطفى باشا النحاس زعيم حزب الوفد، والسنوات السبع التى أشار إليها بـ«سبع سنين فى العطارين» تعنى عمر الثورة المصرية وقتها، وهى تطالب بعودة «الوفد» والملك ضربًا فى الثورة وعبد الناصر.
رقيب آخر كان دارسًا أكثر للتاريخ، قال إن «مصطفى» مقصود به مصطفى كمال أتاتورك صانع تركيا الحديثة، والأغنية تريد أن تعيد إلينا مبادئ أتاتورك الذى نادى بفصل الدين عن الدولة وإلغاء الأبجدية العربية من اللغة التركية واستخدام الحروف اللاتينية، كل ذلك وأكثر دار فى مخيلة الرقيب، وعلى الفور وبدون تردد تحمل نجيب محفوظ المسؤولية، وصرح بالأغنية وظل من بعدها فى كل أحاديثه يضحك من تلك الأفكار التى عششت فى مخيلة الرقيب بسبب اختيار رقم سبعة تحديدا لكى يبدأ فى البحث والتحرى عن النيات، بينما كانت الأغنية «الفرانكو أراب» التى غناها بوب عزام تنتشر بنجاح غير مسبوق ويرددها الجميع، ولكن حدث شىء آخر خطف الفرحة من عين وقلب فوزى، وذلك عندما أقام الملحن والمطرب الكبير محمد الكحلاوى دعوى قضائية أكد فيها أن فوزى سرق منه لحن أغنيته البدوية الدينية «فضلك يا سايج المطر تشكر يا سايج المطر» وأحالها إلى «يا مصطفى يا مصطفى»، وأسقط فى يد جمعية المؤلفين والملحنين «حيث إنه قد بدأ تطبيق قانون الأداء العلنى، والأغنية كانت تحقق آلاف الجنيهات، لأن انتشارها عالميا فاق كل التوقعات وأوقفت الجمعية صرف المستحقات المالية، حتى يقول القضاء كلمته، ولأنها قضية شائكة، والقضاء غير متخصص فلقد تعددت فيها وجهات النظر، ورحل فوزى عام 1966 والقضية منظورة أمام المحاكم، وكان محمد الكحلاوى يزداد إصرارا على أنه صاحب اللحن الأصلى. وأتذكر أنه قبل رحيله عام 1982 بأسابيع قليلة قرر أن يصطحب فرقته الموسيقية إلى المحكمة فى سابقة هى الأولى من نوعها، وكان قد عقد العزم لغناء الأغنيتين أمام القضاء بمصاحبة الفرقة، وهما «يا مصطفى يا مصطفى» و«فضلك يا سايج المطر» حتى تتأكد المحكمة من صدق دعواه، ويا ليته فعل، حيث كانت المكتبة الغنائية وقتها سوف تحتفظ بصوت الكحلاوى الذى تعوّد أن يغنى للمصطفى عليه الصلاة والسلام، ولكنه كان سيغنى بأسلوبه الخاص هذه المرة «أنا بحبك يا مصطفى».
أتذكر أننى سألت الموسيقار الكبير محمود الشريف عن صاحب اللحن الأصلى، وكان الشريف يحب فوزى ويقدر صوته وألحانه، كما أنه كان يقدر صوت وألحان الكحلاوى، ونشرت هذا الرأى والكحلاوى على قيد الحياة، وهو أنه «لا فوزى ولا الكحلاوى أبدعا (يا مصطفى يا مصطفى) ولكن الاثنان استعادا، ربما لا شعوريًّا جملة موسيقية كانت تتردد فى الموالد الدينية بأسلوب لحنى خاص، صلى الله على محمد.. صلى الله عليه وسلم».
ورحل الكحلاوى وانتهت القضية ولا يزال العالم يردد بكل اللغات واللهجات «أنا بحبك يا مصطفى»!!