ننقسم إزاء إشارة مرور رابعة وعلامتها إلى ثلاث فرق، فرقة تضم بقايا عصابة حسن البنا، التى تضخم من إشارة المرور حتى تزعم أنها ميدان الشرف والبطولة، وترى فى العلامة (مقطوعة الإبهام) عنوانًا على شرعيتها المغتصبة. وفرقة ثانية تضم الصحفيين والكُتاب والإعلاميين والحقوقيين بل والقضاة بل ورجال الجيش والشرطة، وهؤلاء متى سمع أحدهم شيئًا عن الإشارة والعلامة هز كتفيه قائلا: «نحن مع حرية التعبير بالطرق السلمية».
وفرقة ثالثة وأخيرة تضم الملايين المنسيّة مع أنها كاسحة، الملايين التى يدعى الجميع حبها ويزعم الجميع خدمتها، الفرقة الثالثة تضم الشعب، الذى يبدو مثل عنترة فى قصيدة أمل دنقل الشهيرة (البكاء بين يدىّ زرقاء اليمامة): «أنام فى حظائر النسيان / طعامىّ الكسرة والماء.. وبعض التمرات اليابسة / وها أنا فى ساعة الطعانْ، ساعة أن تخاذل الكماة والرماة والفرسان / دُعيت للميدان / أنا الذى ما ذقتُ لحم الضأن / أنا الذى لا حول لى أو شان / أنا الذى أقصيت عن مجالس الفتيان / أدعى إلى الموت.. ولم أدع إلى المجالسة».
رؤية الشعب (الملايين المنسيّة) لإشارة رابعة وعلامتها تناقض تمامًا بل تهدم رؤية الفرقتين السابقتين، فلا الشعب يرى أن إشارة مرور تمثل البطولة والفداء والتضحية والشرعية مثلما ترى عصابة حسن البنا، ولا هو يشارك الفرقة الثانية رؤيتها فى أن علامة رابعة (تعبير سلمى).
الشعب يضيق بالأمر كله ويعارضه ويفضحه وينزع عنه كل قداسة، لأنه بفطرته السوية التى لم تلوثها حسابات الساسة والسياسة، يؤمن أن رابعة ما هى إلا إشارة مرور تجمع فيها فريق مسلح واغتصبها من بين يدىّ الدولة، وراح ينشر الرعب والفزع والإرهاب فى ما حولها، محاولًا خلق واختلاق شرعية من عدم، لكى يوهم العالم أن الكفتين متساويتان، فإن كان للوطن شرعية عبر عنها من خلال الملايين التى غادرت بيوتها وهبطت إلى الشوارع يوم الثلاثين من يونيو فللعصابة أيضا شرعية يعبر عنها المسلحون المتجمعون فى إشارة رابعة!
وقد قرأ الشعب على الوجه الصحيح محاولة العصابة اقتحام مبنى الحرس الجمهورى الذى كان يقيم فيه رئيسها الفاشل المعزول، فتلك المحاولة لو لا قدر الله كانت قد نجحت لأصبحنا أمام رئيسين وحكومتين وشعبين ولجاز ساعتها للذين يدسون أنوفهم فى شؤوننا أن تصبح لهم كلمة مسموعة.
أما العلامة التى أوحى بها للعصابة رجب طيب أردوغان رئيس وزراء تركيا المتغطرس فقد تعامل معها الشعب بوصفها علامة للعدو وعلمًا له.
وليس فى موقف الشعب من تلك العلامة أدنى درجة من درجات العنصرية أو رفض الآخر أو إقصاء فصيل سياسى، وذلك لأن الشعب بفطرته يعرف حقًا ما الفرق بين الإنسان والحيوان؟
الإجابة الشائعة تقول: إن الإنسان حيوان ناطق. لكن الشعب له تعريفه الخاص، الذى صاغه ابن من أبنائه، أعنى مفكرنا الكبير الراحل أحمد بهاء الدين، الذى قال فى كتابه الرائع (أيام لها تاريخ): «إن الفرق بين الإنسان والحيوان هو أن الإنسان حيوان له ذاكرة».
يضيف بهاء قائلا: «إن الفأر منذ خلق وهو يدخل بقدميه إلى المصيدة بحثًا عن قطعة الجبن، لم يتعلم الفأر على مدار تاريخه أن المصيدة هى الهلاك المبين كما لم يتعلم أن قطعة الجبن هى مجرد فخ نُصب له من بدايات التاريخ، الفأر لا يبرح مأزقه لأنه لا يتمتع مثل الإنسان بذاكرة المواجع».
من ذاكرة المواجع هذه يمكننا تفسير وقراءة غضبة الشعب من أحمد عبد الظاهر لاعب كرة القدم بالنادى الأهلى الذى عندما سجل هدفًا فى نهائى بطولة إفريقيا للأندية باغت الجميع ورفع علامة رابعة، فتذكر الشعب عصابة تنكرت لوطنها وباعت شرفه وتلاعبت بمصيره وعملت بأقصى ما لديها من جهد على تفكيكه وبعثرته.
لن يغفر الشعب أبدًا لهؤلاء الذين يكذبون باسمه ويتاجرون بمبادئ وأهداف ثورته، ولن يسامح الذين يزيفون قراءته الصحيحة لكل تجمع مسلح تكفيرى، ولكل علامة خائنة.
إن الذين يصرخون ويتصايحون بمصالحة فريق خان ويخون ويتسامحون مع علامة عدوة سيندمون وقت لا ينفع الندم.