سخافة التربّص وخلط الأوراق وإصدار أحكام هى إجابات نهائية تطغى على المجتمع لدرجة أنها أصبحت سمة مميزة له، الكثيرون يستخدمون السياسة مثلما يستخدم المراهقون الطائشون ألعاب الليزر فى مدرجات الكرة، لا هدف منها سوى العكننة على الآخرين وإثبات الوجود فى الوقت نفسه، هناك مَن فرح بلعبة السياسة، ولكن كل علاقته بها أنها (حاجة بيقفش بيها على الناس)، نادرة الحوارات الجادة القائمة على المفهومية بينما سفسطة مقيمة تعكس خليطًا من قلة الذوق وقلة الوعى، هناك أيضًا مَن يستخدم السياسة كلعبة لقتل الوقت والتسلية، لكنه لا يلتفت إلا متأخرًا إلى أنها إحدى ألعاب القمار، فوجهة نظر حضرتك التى تلعب بها تكسب يومًا وتخسر يومًا، الأمر الذى يزيد تعصّبك، فأنت تريد أن تكسب على طول.
نجا من الأمر مَن كان قوام نظرته السياسية قائمًا على قدر من الإنسانية والموضوعية.
ما تقدّمه للإنسانية هو الذى سيعيش ويبقى وسيسقط التاريخ كل ما هو دون ذلك.
يوسف إدريس تعرّض لاتهامات بالعمالة من السادات، أين هى الآن؟ بل إن إدريس كتب سلسلة مقالات هاجم فيها مسيرة السادات، كانت مليئة بالعداوة وصدرت منذ فترة مجتمعة فى كتاب، لكننى لا أتذكر منه الآن كلمة واحدة، وكلما حاولت أن أحكى لأحد سبب الخلاف تتوه الحكاية، لأنها لم تعد مهمة، لكننى أستطيع أن (أسمّع لك) ترتيب القصص فى مجموعة (بيت من لحم) مثلًا وأقص عليك بحرفية بالغة (حادثة شرف)، هذا ما تبقّى من إدريس.
نجيب محفوظ عاصر ثورة وأربعة حروب وأزمات سياسية طاحنة، ولم يكتب حرفًا واحدًا مؤيدًا أو معارضًا، فى لحظات السياسة التى مررنا بها فى الخمسين عامًا الماضية ستكتشف أن نجيب محفوظ (ماجاش)، لكن أثر كل ما مر به من سياسة موجود فى قصصه ورواياته بإحكام وإمتاع ورصد تاريخى أدبى فنى علّم أجيالًا كثيرة الكتابة وهذا ما تبقّى من محفوظ.
كتب صلاح جاهين عشرات الأغنيات الوطنية، كان ثلثاها عن جمال عبد الناصر ، لكن ما تبقى منه الأغنيات الوطنية التى كانت مصر بطلتها (صورة، وبالإحضان)، بقى من جاهين الفن ودهس الوقت رغبتنا فى تقييم الأفكار السياسية التى كان يؤمن بها.
أساس الفكرة أن أحدًا من الأسماء السابقة لم يتخلَّ عن مجتمعه فى ما يجيد صنعه يومًا ما حتى لو تقاطع معه سياسيًّا، فأصبحت وجهة نظره السياسية له، أما خيراته الأدبية فقد أصبحت رزقنا.
ضع مسافة من الوقت والأهمية بين الأسماء السابقة وبين محمد أبو تريكة المتعاطف مع الإخوان، هذا التعاطف الذى لن يمنعك بعد عشر سنوات من أن تفتح اليوتيوب لتبحث عن هدف تريكة فى الصفاقسى مثلًا أو البحث عن أهم أهداف أبو تريكة مع منتخب مصر ، فتتأمل وتستمتع وتتذكر، سيبقى من تريكة الفن والأهداف ولحظات صادقة الجمال فى حياتنا كمصريين أو حياتكم كأهلاوية،حتى نقدى لتريكة من قبل كانت له علاقة بأرض الملعب، وبالمناسبة الكلام نفسه قلته منذ عامين عن منتخب حسن شحاتة عندما شمت فيه البعض عقب خروجه من التصفيات لأنه من وجهة نظرهم منتخب مبارك.
إذا افترضنا أن تريكة ارتكب معصية خلط الكرة بالسياسة، فخذ أنت الكرة ودع له هو السياسة، ولا تغلط نفس غلطته بل وتزيد عليها بأن تخلط الكرة بالسياسة بالسذاجة، فتفسد على نفسك كل شىء وبعدها ترجع تشتكى.