«لِفّى البلاد يا صبية بلد بلد، باركى الولاد يا صبية ولد ولد، ده النصر غالى وأهم جابوه».. هكذا غنى عبد الحليم حافظ لمصر، وهكذا غنَّت مصر لفريق النادى الأهلى!
كتبتُ لكم سابقا أنه البطل الشعبى وفارس الفرسان واليوم أضيف أنه الكيان.. صاحب الزمان والمكان.
الفوز الذى حققه الأهلى أول من أمس ببطولة إفريقيا لا يمكن اعتباره فوزًا عاديًّا، بل هو فوز تاريخى بكل معنى الكلمة ويمكن إدراجه ضمن قائمة المعجزات الرياضية. فلم يحدث فى تاريخ كرة القدم أن فاز فريق ببطولتين قارِّيتين متتاليتين دون أن يشارك فى مسابقات محلية أو مباريات رسمية لمدة ثلاثة مواسم متواصلة!
المباراة أُقيمت على استاد المقاولون العرب فى الجبل الأخضر الذى تحول إلى بركان أحمر بفضل ما يزيد على خمسة وأربعين ألف عاشق أهلاوى حضروا المباراة ولم يتوقفوا لحظة عن تشجيع فريقهم بعبارات «تصحِّى الميت» من عَيّنة «فريق كبير.. فريق عظيم.. أدّيله عمرى وبرضه قليل».
الشوط الأول كان سجالا بين الفريقين مع تفوق طفيف فى الاستحواذ لفريق أورلاندو الذى كاد يسجل فى الدقيقة 20 من انفراد كامل إلا أن شريف إكرامى ذاد عن مرماه ببسالة وتصدَّى للهدف المؤكد. اعتمد الأهلى على الحذر الدفاعى وعدم المخاطرة بالاندفاع نحو الهجوم ورغم ذلك لاحت له أشباه فرص أهدرها محمد نجيب وعبد الله السعيد وانتهى الشوط بضغط مكثف على مرمى أورلاندو دون خطورة حقيقية.
فى الشوط الثانى ظهرت خبرة الأهلى الكبيرة فى المباريات النهائية، فسيطر ميدانيًّا وبدأ فى العزف والتقسيم بالكرة على إيقاع مشاعر الجماهير التى كانت تتمايل طربًا وشجنًا مع كل تمريرة حتى جاءت الدقيقة 54 وفيها استغلّ نجم النجوم وراقص الباليه الأول محمد أبو تريكة كرة مرتدة من الدفاع ووضعها باقتدار داخل مرمى أورلاندو فانفجر بركان الفرح على حافة الجبل وزأرت الحناجر بصوت كالرعد وأضاءت الشماريخ سماء القاهرة معلنة بداية الزفة.
كاد أورلاندو «يضرب كرسى فى الكلوب» و«يبوظ الليلة» عندما انفرد مهاجمه بالعرين الأهلاوى مجددا وسدد من فوق شريف إكرامى إلا أن الكرة ارتطمت بالعارضة وذهبت خارج المرمى فعادت الروح إلى معازيم الأهلى بعد «قطع النور والتنفس» لثوانٍ معدودة. فى الدقيقة 77 سجل «الشيخ» أحمد عبد الظاهر فى «دفتر أحوال التاريخ» عقد القران بين الأهلى وكأس إفريقيا عندما استغل تمريرة عرضية لأحمد فتحى وأودعها الشِّبَاك مشهرا الزواج رسميا. واستمرت فقرات الحفل رغم طرد شريف عبد الفضيل من الفرح لاعتدائه على أحد «الضيوف» بعدها أطلق الحكم صافرة النهاية ومعها تسلم العريس وائل جمعة عروسه كأس إفريقيا على أنغام أغنية «يا عشاق النبى صلوا على جماله».
نجم المباراة هو أحمد فتحى بمجهوده الوافر وتحركاته الواعية دفاعا وهجوما. بطل المباراة هو شريف إكرامى الذى أنقذ فريقه من هدفين محققين. فنان المباراة هو محمد أبو تريكة الذى كان لمسة الإبداع وموطن السحر والجمال. فارس المباراة هو جمهور مدرجات الأهلى اليمين والشمال «اللى بتهدّ جبال».
سأتوقف عند ثلاث لقطات مهمة أثارت انتباهى: الأولى هى لحظة تغيير أبو تريكة قبل نهاية المباراة، وفيها وقف النجم الكبير ليحيِّى الجماهير بطريقة عاطفية ذكّرتنى بطريقة محمود الخطيب فى نهائى أبطال إفريقيا عام 87، وكانت وقتها إشارة وداع وإعلانا لاعتزاله اللعب «يا رب أكون فهمت الإشارة غلط.. لسه بدرى يا نجم!».
الثانية كانت بعد انتهاء المباراة حينما اتجه شريف إكرامى وحده ناحية المدرجات لتحية الجماهير فالتفّ حوله كل صبية الملعب الصغار فكان بينهم بقامته المديدة مثل بطل أسطورى أو عملاق خيالى. هذا المنظر ذكَّرنى بسلفستر ستالونى فى مشهد مماثل من فيلم «روكى»! يا ريت يا شريف تدوَّر على الصورة دى وتحتفظ بها.. كانت رائعة.
اللقطة الثالثة هى لقطة أحمد عبد الظاهر بعد تسجيله الهدف الثانى ورفعه أصابعه بإشارة سياسية!! بالتأكيد هو حر فى آرائه وأفكاره ولكنه يعلم أن هذه الإشارات ممنوعة فى الملاعب بأمر «الفيفا» وترفضها تماما مبادئ وتقاليد الأهلى العريقة. .عموما «تسلم الأيادى» يا عبد الظاهر على الهدف!
مبروك للأهلاوية.. وهات بوسة يا أهلى!