ماذا يجري في مصر؟ يقوم برنامج ساخر بطرح مجموعة من القضايا بنفس طريقته التي بدأ بها منذ ثورة يناير، فتقوم الدنيا بين مؤيد ومعارض ولا تقعد، ثم يمنع البرنامج دون أن يعلم أحد سبب المنع فيما يتردد أن ممثلة من ممثلات زمن السبكي تسببت في هذا المنع، وتقوم معركة حامية الوطيس بين مؤيد للمنع ومعارض له .... ثم تخمد المدافع دون أن تُبقي ظهرًا أو تقطع أرضًا، ويسقط المتصارعون منتظرين معركة جديدة من معارك العدم؛ لكي يصطفوا ويتقاتلوا، باختصار: إنه مشهد عبثي بامتياز؛ فأخو اليوم عدو الغد.
كتب شاعر قصيدة، وخانه التوفيق في العنوان، واستثمر محرر صحفي الأمر ووضع صورة للفريق السيسي معها، وما إن وضعت صورة القصيدة على الفيس بوك حتى انهالت الطلقات من كل اتجاه في مشهد مقزز للغاية، ومهين لكل من شارك في الأمر...وسأسرد بعض ما رأيت أولا ثم أعلل سبب المهانة بعد ذلك.
نشر الأكاديمي المصري عبدالله السمطي القصيدة وفوقها كتب: القصيدة والقضية، كتبت له رأيي: أن الشاعر حين كتب العنوان أهمل واقع حال المتلقي، وهنا كانت السقطة الكبرى؛ فالشاعر اعتمد في نصه على أن السيسي مخلص ومنقذ - وهذا لا شك فيه عندي - وأراد أن ينحو نحو الملاحم التي تذكر عدة إرهاصات تمهيدا لميلاد البطل (يمكن مراجعة كتب الأكاديمي النابه عمرو منير التي تتناول أساطير الفتوح الإسلامية، ويمكن مراجعة كتاب العلامة أحمد شمس الدين الحجاجي: مولد البطل في السيرة الهلالية) وأخذ الشاعر تحديدًا علامة ظهور نجم ينبئ بقرب مجيء المخلص، لكن كان على الشاعر أن يبتعد عن مفردتين سلبيتين هما: (نساؤنا) و (حبلى) خصوصًا أن اجتماعهما في تركيب واحد يعرض للجمهور في هذه الحال منافٍ لأول تعريف للبلاغة العربية| مطابقة الكلام لمقتضى الحال.
دافع السمطي عن العنوان، فيما كان رأي الأكاديمي شوكت المصري المحاضر بأكاديمية الفنون، ورأي الأكاديمي أحمد الصغير معارضَين بشكل منهجي للعنوان ولأداءات القصيدة... وعلى رسائل الفيس وجدت الشاعر صاحب القصيدة يعاتبني في غلالة رقيقة من الشكر على أن نقدي كان فنيا غير متجاوز، وتحاورت معه، وقال في النهاية إن الجو لم يكن يحتمل العنوان بهذه الطريقة، وفي البداية وفي النهاية كان مطمئنا إلى أن نصه للتعبير عن قضية يؤمن بها.
تنتظرون مني الآن جواب سؤالي: وأين المهانة؟ إليكم فتحملوا: هل انشغلنا بتعطل المواصلات، وتدني المستوى التعليمي، وكثرة الحوادث في مختلف المجالات؟ هل تحرك أحد عندما نشرت الأهرام قصيدة لحجازي اسمها "المسدس والظلاميون"؟ هل جرى في عروق أحد الدم حينما قام حسن طلب بإعادة تشكيل لجنة الشعر وإخراج كل من ليسوا على هواه من اللجنة وجعل مقرر اللجنة ناقدًا وليس شاعرًا؟ هل سيتحرك أحد حين يعلم أنه ستكون هناك مجلة اسمها شعر داخل المجلس تنشر لحسن وعنه، كما يفعل بإبداع، حتى كتب ناقد إن حسن يشبه آلهة الأوليمب؟ هل تحرك أحد لإيقاف الحملة المسعورة للنيل من ثورة يناير ورموزها وأهدافها؟ هل...؟
فقط تذكرنا أننا أحرار وشعراء ونقاد على نص لا نعرف في أي صحيفة نُشر، كتبه رجل يعبر به عن رأيه، أيها الشعراء، تسعون بالمائة من شعرنا مدح، المتنبي مدح سيف الدولة الذي كان يحكم إمارة لا تزيد عن عدة أمتار، والنابغة وصف امرأة النعمان وهو لم يرها تقربًا للنعمان، أيها الشعراء، من عاش في عهد عبد الناصر ولم يكتب عنه؟ أيها النقاد، ما الغرض الرئيس لشعرنا العمودي؟ ومن انبرى ليهاجم نزار حين قال: قتلناك يا آخر الأنبياء؟
نحن لسنا معنيين بالثورة ولا بالحرية ولا بالثقافة، لنعترف الآن نخطئ في حق أبنائنا وآبائنا، في حق تلاميذنا وأساتذتنا، في حق كل شيء طاهر على هذه الأرض يستحق منا رد الجميل، لا هذا العبث المفرط.
بامتياز رسبنا جميعًا في اختبار هلامي، دون أن يتوقف أحد منا للسؤال: كيف نخرج من هذه الهاوية؟ فعلى حين لم يعبأ أحد بصراخ الملايين التي تعاني كل المرارات للعيش البسيط في هذا البلد، في ظل مواصلات معطلة، ورعاية صحية متدهورة، وحكومة لا أثر لها، وأمن لا وجود له، فيما انتفخ أوداجنا، وسحبنا كل مدافعنا وصوبنا بإحكام... للفراغ.