ولماذا نسكت نحن على قتل جمال عبد الناصر؟
كل ما يتم إذاعته ونشره عن اغتيال ياسر عرفات يؤكد اغتيال جمال عبد الناصر.
كلنا كنا نعرف أن ياسر عرفات، الزعيم الفلسطينى، كان مطلوبًا يومها للقتل وقد نفذ دوره ولم يعد ممكنًا إنهاء القضية الفلسطينية على يد فَسَدة من «فتح» وقَتَلة من «حماس» إلا بالتخلص من الرجل، وكان حصاره فى مقر إقامته فى «رام الله» سردًا لأحداث موت معلَن، ولا يوجد طفل عربى إلا وكان يدرك أن مرض عرفات هو سم الاغتيال الذى ناله فى مصافحة أو حضن من زوَّاره الأجانب أو العرب أو الفلسطينيين، وقُتل عرفات أمام ثلاثمئة مليون شاهد عربى متواطئ بصمْتِه وبعجْزِه.
مرت الأيام وعيِّنات جثمان عرفات فى مختبرات العلوم والتشريح، وها هو مدير مركز الطب الشرعى فى مستشفى «لوزان الجامعى» باتريس مانجين، فى مؤتمر صحفى عقده منذ أيام يعلن أن «ملاحظاتنا تنسجم مع افتراض التسمم.. وعلى أية حال فهى أكثر انسجامًا معه منها مع الافتراض المضاد (عدم التسمم)».
لكنه أضاف أن الشكوك لا تزال قائمة، على الرغم من أنهم استنفدوا كل التحقيقات الخاصة بالطب الشرعى فى العينات الحالية. وكانت العينات البيولوجية التى أُخذت من عرفات وقت وفاته فى مستشفى فى باريس فى تشرين الثانى العام 2004 قد دُمِّرت.
وقال مدير معهد «فيزياء الإشعاع» التابع لجامعة «لوزان» فرانسوا بوشو: «لا يمكننا تحديد كمية البولونيوم المشع التى ابتلعها فعليا.. كل ما يمكننا قوله هو أن ملاحظاتنا تنسجم مع افتراض التسمم».
ما علاقة هذا بعبد الناصر؟
علاقته وثيقة، فقد حاولت المخابرات المركزية الأمريكية اغتيال عبد الناصر فى ثمانى محاولات أزيح عنها ستار الأسرار. منها محاولة تسميمه من خلال مدلِّكه للعلاج الطبيعى، وأخرى بتسميم سجائره، وغيرها من المحاولات التى لم تنكشف، لكن وفاة جمال عبد الناصر المفاجئة- حيث لم يكن قد بلغ الثانية والخمسين من عمره (مواليد يناير 1918وتوفى سبتمبر 1970)، وما قيل عن موته بسبب مرض السكر، بينما لا أعراض مميتة للسكر أصابت عبد الناصر- جاءت عقب مؤتمر قمة صافح فيه العشرات من الوفود العربية والأجنبية، ثم عاد إلى بيته فمات فى عشرين دقيقة تقريبا، أىُّ عقل ساذَج يستبعد عامل الاغتيال؟
ربما فى زمن موته لم تكن أساليب القتل بالسم عبر الهواء أو تربيت على الكتف أو بالمواد المشعة قد باتت معروفة ومشهورة، لكن الآن ونحن نعرف كم كان علم الاغتيالات متقدما عن كل العلوم وأمامنا واقعة شديدة الوضوح الفاجر فى اغتيال زعيم عربى بسم المواد المشعة، فماذا ننتظر لنتأكد من اغتيال زعيم الأمة العربية جمال عبد الناصر؟
السؤال: هل يمكن بعد ثلاثة وأربعين عاما من وفاته اكتشافُ طريقة قتله؟
نعم، فالعلم وصل بنا إلى معرفة طريقة قتل «توت عنخ آمون» بعد أربعة آلاف سنة من وفاته، فما بالك بمَن مات بيننا منذ ثلاثة وأربعين عاما؟
هل هذا مهم فعلا؟ وهل يضيف لنا شيئا؟
طبعا، مهم جدًّا وللغاية، فمَن قتل جمال عبد الناصر أراد أن يتخلص من الإرادة الوطنية والاستقلال عن الغرب والاستسلام لإسرائيل والتبعية لأمريكا وإنهاء ظاهرة الرجل الذى يعشق ملايين العرب، وتتوحد خلفه الشعوب. الذى قتله أراد أن يقتلنا ولا يزال هو قاتلًا، بينما نحن جميعًا مشاريع قتلَى!