كم يتمنى الواحد منا لو أن الدكتور أحمد زويل، أعطاه الله الصحة وطول العمر، قد جلس مع نفسه فى هدوء، ثم راح يقارن بأمانة بين مسيرته فى مصر، منذ فكر فى أن ينشئ فيها مدينته العظيمة للعلوم، وبين مسيرة رجل يمثل قامة أخرى مثله، هو الدكتور مجدى يعقوب.
فالثانى بدأ فى عام 2009، أى قبل خمس سنوات لا أكثر، ولكنه عندما بدأ كان يعرف تماماً ماذا يريد، وكيف يحقق ما يريده، دون أن تستغرقه هوامش الموضوع، ولذلك ذهب إليه من أقصر طريق، ولم يشأ أن يضيع وقته ولا وقت الآخرين.
كان يقينه، منذ أول لحظة، أنه إذا كان قد تخصص فى أمراض صمام القلب فإن أطفالاً كثيرين فى بلده فى حاجة شديدة إليه فى هذا التخصص، وأن قلوبهم فى انتظار يديه الحانيتين، فلم يخذلهم، وبسرعة كان قد قرر أن يقيم مركزاً لهذا الغرض، وبسرعة أيضاً كان قد وقع اختياره على أسوان، تلك المدينة الجميلة العريقة، لتكون مقراً يتجسد فيها مشروعه النبيل على الأرض.. وهو ما كان.. لا لشىء إلا لأن لله عباداً إذا أرادوا، كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام، أراد.
كان فى إمكان مجدى يعقوب أن يأتى إلى القاهرة، وأن يطرق باب الحكومة، وأن يطلب موعداً، ثم يطلب خلال موعده قطعة أرض يقيم عليها المشروع فى العاصمة، فيظل يبحث ومعه تبحث الحكومة، فلا يقع الطرفان على متر فى القاهرة أو فى امتدادها، فيتراجع الحماس للفكرة عند صاحبها، ويتراجع إيمانه بها قليلاً قليلاً، لينحسر، ثم يموت!
وكان فى مقدور الرجل أن يطلب مقراً فى جاردن سيتى، مثلاً، فتعطيه الحكومة قصراً، كما أعطت «زويل»، ثم لا يتحرك الأمر لأبعد من ذلك فى أى اتجاه.
وكان فى مستطاعه أن يضع عينيه على موقع مشغول بمشروع آخر، كما حدث حين اختار «زويل» موقع جامعة النيل، فى مدينة الشيخ زايد، ليكون مكاناً لمدينته، ولو حدث هذا من جانب «يعقوب» لكان من عام 2009 إلى اليوم يناكف فى أصحاب الموقع الذى اختاره، ويناكفون فيه فى أفق زمنى مفتوح، ودون أمل فى الوصول إلى حل، فيتعطل المشروعان، كما هو حاصل بالضبط لمدينة زويل ولجامعة النيل معاً، مع أن شيئاً من المرونة من «زويل»، منذ البداية، كان كفيلاً بأن يقوم المشروعان جنباً إلى جنب، وألا يقوم أحدهما على جثة الآخر!
من فضل الله على مرضى القلب فى مصر أن صاحب مركز أسوان العالمى لم يشغل نفسه بشىء من هذه التفاصيل أبداً، ومن حسن حظنا أن الله تعالى قد قيض للمركز رجلاً من نوعية مجدى يعقوب، وهو رجل لا يظهر فى الإعلام، إلا قليلاً جداً، وإذا ظهر فإنه يفعلها ليقول شيئاً يريده أن يصل إلى الناس، ولهذا فلا أظن أنه ظهر فى أى مرة على الشاشة، إلا وكان محبوه الذين هم بالملايين متسمرين أمامها ينصتون إليه وإلى كلماته قليلة العدد بطبيعتها، كبيرة المعنى كعادتها.
ما أحوج «زويل» إلى أن يقتدى بـ«يعقوب».