متأثر أنا بقصة «حبارة». المتهم بقتل الـ25 جنديا من الأمن المركزى. كتبت بالأمس. أكتب مجدداً اليوم متذكراً محاسب الإسكندرية قاتل الأطفال. سلفى آخر. علقت بالأمس اعتماداً على ما نشرته «المصرى اليوم» من أقوال «حبارة». عدت إلى قصته بعد أن قرأت تفريغ مكالمات له فى «اليوم السابع». محضر تحريات أمنى حول جريمته فى جريدة «الشروق». قال بالشفرة لمن تكلم معه تليفونيا: النهارده جبنا 25 شمعة!! يقصد أرواح الجنود التى حصدها!!!
مهنته «صنايعى بوفيه». قهوجى. الذى حاول قتل نجيب محفوظ بسكين فى التسعينيات لم يكن متعلما. لم يقرأ له حرفا. لكن السلفى الذى قتل أطفال الإسكندرية بالإلقاء من فوق السطح كان محاسبا فى شركة «بتروجيت». محمد مرسى وهو متطرف كان أستاذا جامعيا. مرشده المحرض على القتل كان أستاذا جامعيا. التطرف لا يعرف فروقا فى مستوى التعليم. الجامعيون مثل الجهلاء. الذى يحدث أن هذا الجاهل أو ذاك يقوده غالبا متعلم. يفسد رأس هذا أو ذاك بسبب ما يتلقاه من أفكار. فسد رأس «حبارة» بخطب محمد حسان وفوزى السعيد. فسد رأس محمد مرسى بكتب حسن البنا.
ذهبت أسرة محمد مرسى لتزوره فى السجن. استحضرت كتبا له. أخذت له كتب حسن البنا. بعد كل ما حدث يريد أن يقرأ فى محبسه نفس الأفكار التى قادته إلى السجن. فى التحقيقات أعلن «حبارة» تمسكه بكتب اشتراها بقرب باب مسجد فى الشرقية. فى تسجيل اعترافاته لم يتنازل المحاسب القاتل عن أفكاره. قال إنه اهتز حين دعت عليه إحدى أمهات من قتلهم. كلهم عقول فسدت. قاتل الجنود. رئيس سابق. قاتل الأطفال. حتى الذى صفع السيدة العجوز «أم أشرف» !!
منظومة إفساد العقول لم تدخل السجن. لم يقترب منها أحد. لا أرى تفكيرا فى ذلك الاتجاه. كتب التحريض فى الشوارع. تم إغلاق قنوات التطرف. لكن سياسيين محسوبين على التيار المتطرف يظهرون فى القنوات. يبررون ما حدث ويحدث. شرائط محمد حسان فى كل مكان. الذين يرعون خطابه موجودون فى أحزاب رسمية. ممثلون فى مجموعة الخمسين. يدافعون عن أفكار التطرف عملا. قناة الجزيرة تتيح مساحة لكل ذلك. الإعلام فى مصر لم يناقش أفكار التطرف بعد. وزارة التعليم حذفت صفحات مأخونة من المناهج. لم تضع بديلا يعيد تأهيل عقول فسدت.
لا يجوز التعاطف مع «حبارة». يجوز التساؤل: من الذى صنعه. من صنع محاسب «بتروجيت». من جعل من محمد مرسى فخوراً بتطرفه. من جعل محامياً يتهم كاتباً على الهواء بأنه حاقد على الإسلام. منظومة الأفكار متجذرة. لا تجد إلا مواجهة الأمن. أصحاب الفكر خائفون. الأزهر لم يقدم عملا ثقافيا يرد على المتداول تطرفا. منذ سنوات قرأت كتابا للشيخ الراحل، جاد الحق، ردا على كتاب «الفريضة الغائبة». كان يرد على من قتلوا أنور السادات. الشيخ أحمد الطيب لم يصدر شيئا ردا على فكر متطرف يهدده هو شخصيا!!!