وقبل أن نكمل حديثنا عن المؤامرة، التى لا أرى فيها طرفًا ولا متهَمًا سوى مبارك وأجهزته السيادية وطبَّاليه، أودّ أن أنوه بأنه تم القبض على الشخص الذى صفع أم أشرف. يستاهل. إيشى خيال يا ناس! شخص يرتكب جريمة، وتُنشَر صورته فيُقبَض عليه؟ يا رب يا اخويا يا رب... طب أين الضباط الذين تم تصويرهم وهم يقترفون جريمة التعذيب فى السجن؟
وأين ضباط الشرطة المصوَّرون وهم يَطيحون فى النساء ضربًا وركلًا؟ طيب أين البلطجية الذين كانوا يهجمون على اعتصاماتنا على مدى عامين ونصف وكنا ننشر صورهم بأسمائهم وعناوينهم؟ بلاش دول.. أَمَةُ الله كانت قد تَعرَّض لها بعض بلاطجة «آسفين يا ريس» بالضرب أمام ماسبيرو فى فترة المجلس العسكرى الأولى، وقام المجرمون ذاتهم بتصوير أنفسهم ونشر الفيديو، ومن بين المجرمين شخص معروف لدى الجهات الأمنية، وقد قمت بتحرير محضر، كان ذلك منذ عام ونصف، فلماذا لم يتم القبض على كل المذكورين كما تم القبض على الشخص الذى صفع أم أشرف؟ أم أشرف فوق دستورية.
ولنعد إلى المؤامرة.
إذا كانت التيارات الإسلامية، شأنها شأن الصهيونية، هى صنيعة استعمارية، فلَمْ يقوِّ هذه التيارات سوى الأنظمة الحاكمة فى الدول العربية والإسلامية، بخاصة حكومات الخليج التى احتضنت التيارات الإسلامية، وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين، فى الفترة التى كان فيها الرئيس الراحل جمال عبد الناصر يطاردهم، وكانت الأنظمة الخليجية تُمعِن فى تضخيم وتمويل واحتضان جماعة الإخوان المسلمين، «بالعند» فى جمال عبد الناصر ومشروعه، تمامًا كما فعل السادات، ومن بعده مبارك الذى كان خادمًا أمينًا للغرب، وكان كنزًا استراتيجيًّا لإسرائيل، وكان عصره هو أزهى عصور التيارات الإسلامية على الإطلاق، ففى فترة حكمه تمكنت التيارات الإسلامية من تجنيد أعداد غير مسبوقة، وتم ذلك عبر القنوات الدينية، ومشايخ السلطة، ومن بينهم محمد حسَّان الذى كان مقرَّبًا جدًّا من السلطة المباركية، وهو أحد أهم العناصر التى ساعدت الإسلاميين للوصول إلى الحكم، وهو أحد أهم الشخصيات التى دعمت مرسى، ثم ناصرته بعد أن ثار عليه الشعب، وهو ذاته الملجأ والملاذ للواء الروينى ولمجلس طنطاوى لحل المشكلات الطائفية على الرغم من طائفيته الشديدة، وهو المقرب من ابنَى مبارك، والذى قال إن التظاهر والاعتصام والخروج على مبارك حرام.
من المعروف أن جماعة الإخوان المسلمين، جمعت أموالًا لا تُحصَى فى فترة حكم مبارك، وها نحن نرى صنبور أموال الجماعة لا ينتهى، ومن المستحيل أن تكون الجماعة جمعت كل هذه الأموال فى عامى الثورة فقط، كما أنه من المستحيل أن تكون تمكنت من القرى والنجوع والعشوائيات فى عامَى الثورة فقط، وإنما كان عصر مبارك هو العصر الذهبى لتوغُّل الإسلاميين، وقد تَعمَّد مبارك تفريغ كل معارضة من محتواها، ونزع فتيلها، وترك التيار الإسلامى ليكون المعارض الوحيد الرسمى له، ومن المعروف أن الجماعة ونظام مبارك بينهما تعاون أمنى، وسياسى، بل واستخباراتى، فالتعاون الأمنى كان يتمثل فى العمالة المعلنة لكثير من رموز التيار الإسلامى لأمن الدولة، وأظن أن هناك مستندات تؤكد ذلك، وبدلًا من اللجوء إلى المستندات، لماذا لا نلجأ إلى المُعلَن:
كل أصحاب المراجعات من التيار الإسلامى عملوا بشكل أو بآخر لصالح أمن الدولة، وهم ذاتهم العناصر التى استعانت بها جماعة الإخوان إبان فترة حكمها، وعلى رأسهم عاصم عبد الماجد، والتعاون السياسى كان متمثلا فى صفقات نظام مبارك مع الجماعة لتمكينهم من دخول البرلمان، ليظهر نظام مبارك بأنه لا معارضة حقيقية له سوى التيار الإسلامى، وهذا ما بذل مبارك من أجله الجهد والكد، فقد أمضى ثلاثين عامًا لا يفعل شيئا سوى تقوية المعارضة الإسلامية كى تكون هى البديل الوحيد له وإخصاء كل التيارات الأخرى، والتعاون الاستخباراتى يتمثل فى قيام نظام مبارك بدور «المتعهد والمورِّد» للجهاديين فى الحروب التى ابتكرتها الولايات المتحدة الأمريكية، بدءًا من حرب أفغانستان الأولى حتى حرب العراق الأخيرة... طيب نعم؟ ت
عملوا العَمْلة وترموا بلاكو علينا ليه احنا بقى؟ لو أن هناك متآمرًا على مصر فهو المخلوع. أتعجَّب من اتهام المعزول بالخيانة، وتجاهُل خيانة المخلوع الذى صنعه. ثم إننا أسقطنا مبارك الخائن، ففوجئنا بالمشير حسين طنطاوى يتفق مع التيار الإسلامى، وينسِّق معه، بل ويقترف مجزرة شهرية للقوى الثورية كى يُخلِىَ الساحة السياسية للإسلاميين وينهك مَن دونهم حتى لا يتمكن أى تيار آخر من الصعود والمنافسة، والأغرب أن الناس تحمل على مرسى لأنه أطلق سراح الجهاديين، وينسون أن نصف الجهاديين الذى أطلق سراحهم وتم استدعاؤهم من الخارج كانوا فى عهد طنطاوى.