زهقتنى أحضان وبوس، أحضان وبوس. ما تيجى نلعب لعبة، نتكلم، نعمل تحدى. مش أحضان وبوس أحضان وبوس، وبعد شوية لو زعلتك تبقى عصبى وتتقلب وتقعد تزعق. هى دى بقت العلاقة اللى بيننا.
المراهقين مش متعبين علشان أعمالهم، وطريقة سلوكهم. دى الطريقة الطبيعية اللى بتكبر بيها كل الكائنات الحيوانية. وماسمعناش عن نمرة ولّا نمر بيشتكوا من «مراهقة» أشبالهم. السلوك اللى بيسلكه النوع الإنسانى فى المراهقة دا السلوك «الطبيعى» للاستعداد لمرحلة البلوغ ومواجهة العالم ثم تكوين خلية اجتماعية. وهكذا. دا سلوك توارثناه ومبرَّر جدا، ومنطقى جدا. الفضول الموجود فيه ضرورة لاكتساب مهارات أساسية فى الحياة.
لكن اللى مش مفهوم هو عجز آباء كثيرين عن التعامل مع الطفرة السلوكية، مع التغير السريع اللى حصل فى الطفل اللى كانوا بيلعبوا بيه قبل كام سنة. أكيد مفهوم إن الآباء مابيكونوش على نفس الموجة الهورمونية مع أولادهم، وبالتالى مابيقدروش يفهموا. لكن على الأقل لازم الآباء يفهموا إنهم هم اللى مش قادرين يجاروا أولادهم. المشكلة عند الآباء مش عند الأولاد. المجهود مطلوب أكتر من الآباء مش من الأولاد. ليه؟
لأن اعتبار المشكلة عند الأبناء بينتج النمط السلوكى الحالى، نمط خنق سلوك الأبناء بدعوى ضبط سلوكهم. وبيطلع أبناء بلا «مهارات حياتية».
الأطفال فى مرحلة الطفولة المتأخرة بيكون وعيهم أكبر مما نتخيل. دا بيساعدهم يجمعوا صورة خاصة عن حياة عالمهم المحيط، عالم الطفولة، وعن الأفراد القريبين منهم. اللى حواليهم بيكونوا لسه مطمنين إن دول أطفال وبيتكلموا على راحتهم، ويقولوا أسرار على راحتهم. والطفلة بتجمع من هنا ومن هنا وبتكوّن صورة، وبعدين بتختبر اللى حواليها.
أكبر غلطة يعملها الآباء فى مرحلة انتقال أبنائهم إلى المراهقة هى افتراض أن كل حاجة زى ما كانت. الآباء والأمهات يقعدوا يرسموا صورة مثالية عن أنفسهم، ومعتقدين أن الأبناء هيقبلوا بيها زى زمان. الآباء بيحددوا إمتى المناقشة خلصت، واتحسمت فى أنهى اتجاه، والأبناء يطيعوا ويقولوا حاضر. الأبناء بتكون عندهم أسئلة، فى الأخلاق الاجتماعية، فى السلوك، فى الدين، فى السياسة، فى العدل، فى الجنس. وإحنا -الآباء- بنكتفى إننا نحاول نفرض آراء، ونفرض بالتالى رؤى.
بحس الأبناء بيبقوا عايزين يقولوا لنا كفاية. مطلوب مننا إننا نبدأ من سقف طموحكم، تخيلوا لو الأمور مشيت كده قد إيه الدنيا هتتأخر، لأن سقف الطموح هينزل من جيل لجيل تحت. لازم تفهموا إنكم ماعدتوش بتقدموا صورة مغرية بالتقليد. بصوا حواليكم على المجتمع اللى انتو عملتوه. بصوا وافهموا إن دا مش مجتمع سعيد، ولا الحياة فيه سعيدة. ورغم كده إنتم مصرين إننا نعيش زى ما انتو عشتوا. فيه أنانية أكبر من كده؟! فيه أنانية أكبر من إنكم تسجنوا ناس تانيين فى صورة من نفسكم؟! وتحطونا فى الزنزانة ليل ونهار، وتغسلوا دماغنا وتقنعونا إن الزنزانة دى أجمل مكان فى العالم. فيه ظلم أكبر من كده؟!
إنتو نجحتو تفرضوا قيمكم الأبوية، قيم الطاعة، ونظرتكم من فوق لتحت، نجحتم تروجوا إن هى دى القيم السليمة، نجحتو فى فرض النموذج، رغم إن النموذج نفسه فشل. دا معناه إنكم نجحتم تفرضوا علينا نموذج فاشل، ودلوقتى عايزين تسجنونا فى نفس النموذج الفاشل. بتسموا دى «القيم» وهى مجرد مرآة عن نفوسكم. كل حاجة حوالينا مرآة عن نفوسكم. الوطن مرآة عن نفسكم، معياركم للوطنية مرآة عن نفسكم، ولسه مستمرين وعايزين تعملوا نفس الحكاية.
إحنا أمة بتتخطى طور الطفولة، يمكن فيها كتير من المراهقة، بس دا مش معناه إن المراهقة دى تُقمع، لأ، معناه إنكم تبتدوا تعرفوا تتعاملوا مع الأمة دى بطريقة جديدة. إنكم تتعلموا تسمعوا وتناقشوا وتفهموا إن فيه بشر حواليكم بيشوفوا الحياة بطريقة مختلفة. لأن الحياة بقت مختلفة. لازم تفهموا دا. «الحب» مش كله أحضان وبوس، أحضان وبوس. وبعد شوية تقلب علىّ تزعلنى.